للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعينُ الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ ... كما أنَّ عينَ السُّخْطِ تُبْدِي المساويا

وقال آخر (١):

نظروا بعينِ عداوةٍ ولو انها ... عينُ الرِّضا لاستحسَنوا ما استقبَحوا

فإذا كان هذا في نظر العين الذي يُدْرِكُ المحسوسات، ولا يتمكَّن من المكابرة فيها، فما الظنُّ بنظر القلب الذي يُدْرِكُ المعاني التي هي عُرْضةُ المكابرة؟!

والله المستعان على معرفة الحقِّ وقبوله، وردِّ الباطل وعدم الاغترار به.

* وقولُه: «بأول عارضٍ من شبهة»؛ هذا دليلٌ على ضعف عقله ومعرفته، إذ تؤثِّر فيه البَدَوات (٢)، وتستفزُّه أوائلُ الأمور، بخلاف الثابت التامِّ العقل (٣)، فإنه لا تستفزُّه البَدَواتُ ولا تُزْعِجُه وتُقْلِقُه؛ فإنَّ الباطل له دهشةٌ وروعةٌ في أوَّله، فإذا ثبت له القلبُ رُدَّ على عقبيه.

والله يحبُّ من عبده الحِلْمَ والأناة، فلا يَعْجَل، بل يثبتُ حتى يعلمَ ويَسْتَيْقِنَ ما وردَ عليه، ولا يَعْجَل بأمرٍ من قبل استحكامه، فالعجلةُ والطَّيشُ من الشيطان.

فمن ثبت عند صدمة البَدَوات استقبلَ أمره بعلمٍ وحزم، ومن لم يثبت لها استقبله بعجلةٍ وطيش، وعاقبتُه الندامة، وعاقبةُ الأول حَمْدُ أمره، ولكنَّ للأول آفةً متى قُرِنَت بالحزم والعزم نجا منها، وهي الفَوْت، فإنه لا يُخافُ


(١) وهو الشريفُ الرضي، في ديوانه (١/ ٢٦٠).
(٢) الآراء الطارئة. واحدُها: بَداة.
(٣) (د، ق، ح، ن): «العاقل». تحريف.