للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من التثبُّت إلا الفَوْت، فإذا اقترنَ به العزمُ والحزمُ تمَّ أمرُه.

ولهذا في الدعاء الذي رواه الإمام أحمد والنسائيُّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أسألُك الثباتَ في الأمر، والعزيمةَ على الرُّشد» (١).

وهاتان الكلمتان هما جِماعُ الفلاح، وما أُتِيَ العبدُ إلا من تضييعهما أو تضييع أحدهما، فما أُتِيَ أحدٌ إلا من باب العجلة والطَّيش واستفزاز البَدَوات له، أو من باب التهاون والتماوُت وتضييع الفرصة بعد مُواتاتها، فإذا حصلَ الثبات أوَّلًا والعزم ثانيًا أفلحَ كلَّ الفلاح، والله وليُّ التوفيق.

الصنف الثالث: رجلٌ نَهْمَتُه في نيل لذَّته، فهو منقادٌ لداعي الشهوة أين كان، ولا ينالُ درجةَ وراثة النبوَّة مع ذلك، ولا ينالُ العلم إلا بهجر اللذَّات وتطليق الراحة.

قال مسلم في «صحيحه» (٢): «قال يحيى بن أبي كثير: لا يُنالُ العلمُ براحة الجسم».

وقال إبراهيم الحربي: «أجمع عقلاءُ كلِّ أمَّةٍ أنَّ النعيمَ لا يُدْرَكُ بالنعيم، ومن آثر الراحةَ فاتته الراحة» (٣).


(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٢٣)، والترمذي (٣٤٠٧)، والنسائي (١٣٠٣)، وغيرهما من طرقٍ يقوِّي بعضُها بعضًا عن شداد بن أوسٍ.
وصححه ابن حبان (٩٣٥، ١٩٧٤)، والحاكم (١/ ٥٠٨) ولم يتعقبه الذهبي. وانظر: «نتائج الأفكار» (٣/ ٧٧).
(٢) (٦١٢). وانظر ما تقدم (ص: ٣٠٠).
(٣) انظر: «قاعدة في المحبة» لابن تيمية (٢٠٧). ولعلَّ أصله ما في «تاريخ بغداد» (٦/ ٣٠). ولابن الجوزي كلامٌ في هذا المعنى. انظر: «الآداب الشرعية» (١/ ٢٤٢).