للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد بطلت حججٌ استُودِعَها مثلُ هذا الغائب، وضاعت أعظمَ ضياع، فأنتم أبطلتم حججَ الله من حيث زعمتم حِفْظَها!

وهذا تصريحٌ من أمير المؤمنين رضي الله عنه بأنَّ حاملَ حجج الله لابدَّ أن يكون في الأرض، بحيث يؤدِّيها عن الله، ويبلِّغها إلى عباده، مثلُه رضي الله عنه، ومثلُ إخوانه من الخلفاء الراشدين ومن اتبعهم إلى يوم القيامة.

* وقولُه: «لكيلا تبطُل حججُ الله وبيِّناتُه»؛ أي: لكيلا تذهبَ من بين أيدي الناس، وتبطُل من صدورهم، وإلا فالبطلانُ محالٌ عليها؛ لأنها ملزومُ ما يستحيلُ عليه البطلان.

فإن قيل: فما الفرقُ بين الحجج والبيِّنات؟

قيل: الفرقُ بينهما أنَّ الحججَ هي الأدلَّةُ العلميةُ التي يَعْقِلُها القلب، وتَسْتَمِعُها الأذن (١).

قال تعالى في مناظرة إبراهيم لقومه، وتبيينه بطلانَ ما هم عليه بالدليل العلمي: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: ٨٣]، قال ابن زيد (٢): «بعلم الحجَّة».

وقال تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران: ٢٠]،


(١) (د، ح): «وتسمع بالأذن». (ق، ن): «وتسمع بالآذان».
(٢) كذا في الأصول. وتقدم (ص: ١٣٩) عن أبيه زيد بن أسلم.