للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا علم سبحانه أنَّ هؤلاء لا يؤمنون ولو جاءتهم كلُّ آيةٍ لم يُجِبْهم إلى ما طلبوا، فلم يَعُمَّهم بعذاب، لِمَا أخرجَ من بنيهم ومن أصلابهم من عباده المؤمنين، وأنَّ أكثرهم آمنَ بعد ذلك بغير الآية التي اقترحوها.

فكان عدمُ إنزال الآيات المطلوبة من تمام حكمة الربِّ ورحمته وإحسانه، بخلاف الحُجج فإنها لم تزل متتابعةً يتلو بعضُها بعضًا، وهي كلَّ يومٍ في مزيد، وتوفِّي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أكثرُ ما كانت، وهي باقيةٌ إلى يوم القيامة.

* وقوله: «أولئك الأقلُّون عددًا، الأعظمون عند الله قَدْرًا»؛ يعني: هذا الصنفُ من الناس أقلُّ الخلق عددًا، وهذا سببُ غُرْبَتهم (١)؛ فإنهم قليلون في الناس، والناسُ على خلاف طريقتهم، فلهم نبأٌ وللناس نبأ، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعودُ غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء» (٢)، فالمؤمنون قليلٌ (٣) في الناس، والعلماءُ قليلٌ في المؤمنين، وهؤلاء قليلٌ في العلماء.

وإياك أن تغترَّ بما يغترُّ به الجاهلون، فإنهم يقولون: لو كان هؤلاء على حقٍّ لم يكونوا أقلَّ الناس عددًا، والناسُ على خلافهم؛ فاعلم أنَّ هؤلاء هم الناس، ومن خالفهم فمشبَّهون بالناس، ليسوا بناس، فما الناسُ إلا أهلُ الحقِّ وإن كانوا أقلَّهم عددًا.

قال ابن مسعود: «لا يكن أحدُكم إمَّعَة ــ يعني يقول: أنا مع الناس ــ,


(١) (ت): «عزتهم».
(٢) أخرجه مسلم (١٤٥) من حديث أبي هريرة.
(٣) (ت): «قليلون».