للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* خُذ ما تراهُ ودَع شيئًا سمعتَ به * (١)

وأمَّا القائمون لله بحجَّته، خلفاءُ نبيِّه في أمَّته، فإنهم لكمال علمهم وقوَّته نَفَذ بهم إلى حقيقة الأمر، وهجمَ بهم عليه، فعاينوا ببصائرهم ما عَشَتْ عنه (٢) بصائرُ الجاهلين، فاطمأنَّت قلوبُهم به، وعملوا على الوصول إليه؛ لِمَا باشرها مِنْ رَوْح اليقين (٣).

رُفِعَ لهم عَلَمُ السعادة فشمَّروا إليه، وأسْمَعهم منادي الإيمان النداءَ فاستبقوا إليه، واستيقنت أنفسُهم ما وعدهم به ربُّهم فزهدوا فيما سواه ورغبوا فيما لديه.

علموا أنَّ الدنيا دارُ ممرٍّ لا دارُ مقرّ، ومنزلُ عبورٍ لا مقعد حبور، وأنها خيالُ طَيْفٍ أو سحابةُ صَيْف، وأنَّ مَنْ فيها كراكبٍ قال تحت ظلِّ شجرةٍ ثمَّ راح عنها وتركها، وتيقَّنوا أنها:

أحلامُ نومٍ أو كظلٍّ زائلٍ ... إنَّ اللبيبَ بمثلها لا يُخْدَعُ (٤)

وأنَّ واصفَها صدق في وصفها إذ يقول:

أرى أشقياءَ الناس لا يسأمونها ... على أنهم فيها عراةٌ وجُوَّعُ


(١) صدرُ بيتٍ للمتنبي، في ديوانه (٣٣٠)، وعجُزه:
* في طلعة البدر ما يغنيك عن زُحَلِ *
(٢) العَشَى: سوءُ البصر. وخصَّه بعضُهم بالليل. «اللسان» (عشا).
(٣) (ت): «عين اليقين».
(٤) البيت لعمران بن حطان، في «روضة العقلاء» (٣٠١)، و «تاريخ دمشق» (٤٣/ ٤٩٨)، و «الخزانة» (٥/ ٣٦١)، وغيرها.