للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحقُّ ما تنافسَ فيه المتنافسون ورَغِبَ فيه الراغبون.

* وقولُه: «هجَم بهم العلمُ على حقيقة الأمر، فاستلانوا ما استوعره المُتْرفون وأَنِسُوا بما استوحش منه الجاهلون».

الهجومُ على الرجل: الدخولُ عليه بلا استئذان.

ولما كانت طريقُ الآخرة وعرةً على أكثر الخلق؛ لمخالفتها لشهواتهم ومباينتها لإراداتهم ومألوفاتهم= قلَّ سالكوها، وزهَّدهم فيها (١) قلَّةُ علمهم ــ أو عدمُه ــ بحقيقة الأمر وعاقبة العباد (٢) ومصيرهم وما هُيِّئوا له وهُيِّاء لهم؛ فقلَّ علمُهم بذلك، واستلانوا مركبَ الشهوة والهوى على مركب الإخلاص والتقوى، وتوعَّرت عليهم الطريق، وبَعُدَت الشُّقَّة، وصَعُبَ عليهم مرتقى عِقابها وهبوطُ أوديتها وسلوكُ شعابها، فأخلدوا إلى الدَّعة والراحة، وآثروا العاجلَ على الآجل، وقالوا: عَيْشُنا اليوم نَقْدٌ وموعودُنا (٣) نسيئة (٤).

فنظروا إلى عاجل الدنيا، وأغمضوا العيونَ عن آجلها، ووقفوا مع ظاهرٍ منها، ولم يتأمَّلوا باطنَها، وذاقوا حلاوةَ مَبادِيها، وغاب عنهم مرارةُ عواقبها، ودَرَّ لهم ثَدْيُها فطابَ لهم الارتضاع، واشتغلوا به عن التفكُّر في الفطام ومرارة الانقطاع، وقال مغترُّهم بالله وجاحدُهم لعظمته وربوبيَّته ــ متمثِّلًا في ذلك ــ:


(١) ساقطة من (ت).
(٢) (ت): «المعاد».
(٣) (ح، ت): «وموعدنا».
(٤) انظر: «تلبيس إبليس» (٣٤٥)، و «الداء والدواء» (٧٩).