والثاني: من ألقى السمعَ وحَضَرَ بقلبه ولم يَغِب، فهو حاضرُ القلب شاهِدُه لا غائبُه.
وهذا ــ والله أعلم ــ سرُّ الإتيان بـ {أَوْ} دون الواو؛ لأنَّ المنتفِعَ بالآيات من الناس نوعان:
أحدهما: ذو القلب الواعي الزَّكيِّ الذي يكتفي بهدايته بأدنى تنبيه، ولا يحتاجُ أن يَسْتَجْلِبَ قلبَه ويُحْضِرَه ويجمعه من مواضع شَتاته، بل قلبُه واعٍ زكيٌّ قابلٌ للهدى غير معرضٍ عنه؛ فهذا لا يحتاجُ إلا إلى وصول الهدى إليه فقط؛ لكمال استعداده وصحَّة فطرته، فإذا جاءه الهدى سارع قلبُه إلى قبوله، كأنه كان مكتوبًا فيه، فهو قد أدركه مجملًا ثمَّ جاء الهدى بتفصيل ما شهدَ قلبُه بصحَّته مجملًا. وهذه حالُ أكمل الخلق استجابةً لدعوة الرسل، كما هي حالُ الصِّدِّيق الأكبر رضي الله عنه.
النوع الثاني: من ليس له هذا الاستعدادُ والقبول؛ فإذا وردَ عليه الهدى أصغى إليه بسمعه، وأحضَرَ قلبَه وجَمَعَ فكرتَه عليه، وعلم صحَّته وحُسْنَه بنظره واستدلاله. وهذه طريقةُ أكثر المستجيبين، ولهم نُوِّعَ ضربُ الأمثال، وإقامةُ الحُجَج، وذِكْرُ المعارضات والأجوبة عنها.
والأوَّلون: هم الذين يُدْعَوْنَ بالحكمة، وهؤلاء: يُدْعَوْنَ بالموعظة الحسنة. فهؤلاء نوعا المُستجيبين.
وأمَّا المعارضون الدافعون للحقِّ (١)، فنوعان: نوعٌ يُدْعَوْنَ بالمجادلة بالتي هي أحسن، فإن استجابوا وإلا فالمُجَالَدة؛ فهؤلاء لا بدَّ لهم من جدالٍ