للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو جِلَاد (١).

ومن تأمَّل دعوةَ القرآن وجدها شاملةً لهؤلاء الأقسام، متناولةً لها كلِّها؛ كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥]؛ فهؤلاء المدعوُّون بالكلام.

وأمَّا أهلُ الجِلَاد، فهم الذين أمر اللهُ بقتالهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدِّينُ كلُّه لله.

وأمَّا من فسَّر الآيةَ بأنَّ المرادَ بـ {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} هو المستغني بفطرته عن علم المنطق، وهو المؤيَّدُ بقوَّةٍ قُدسيَّة ينالُ بها الحدَّ الأوسط بسرعة؛ فهو لكمال فطرته مُسْتَغْنٍ عن مراعاة أوضاع المنطق، والمرادَ بمَنْ {أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} من ليست له هذه القوَّة؛ فهو محتاجٌ إلى تعلُّم المنطق ليوجبَ له مراعاتُه وإصغاؤه إليه أن لا يزيغ في فكره، وفسَّر قولَه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} أنها القياسُ البرهاني، و {وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} القياس الخَطابي، {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} القياس الجَدَلي= فهذا ليس من تفاسير الصحابة ولا التابعين ولا أحدٍ من أئمَّة التفسير، بل ولا من تفاسير المسلمين، وهو تحريفٌ لكلام الله تعالى، وحملٌ له على اصطلاح المنطقيَّة المبخوسة الحظِّ من العقل والإيمان (٢).


(١) فالنوع الأول: أهل الجدال. والثاني: أهل الجِلاد. وانظر: «الصواعق المرسلة» (١٢٧٦)، و «الفروسية» (٨٣، ٨٤)، و «هداية الحيارى» (٢١).
(٢) ذكر هذا التفسير ابنُ رشد في «فصل المقال» (١٧) [ونقله ابن عرفة في تفسيره (٣/ ٥٦) عن كتاب "الاقتصاد" للغزالي، ولم أجده فيه].