وأيضًا؛ فإنه سبحانه يقسمُ بالقرآن نفسِه لا بوصوله إلى عباده، هذه طريقةُ القرآن؛ قال الله تعالى:{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}[ص: ١]، {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: ١ ــ ٢]، {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}[ق: ١]، {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف: ١ ــ ٢، الدخان: ١ - ٢]، ونظائره.
والمقصود أنه سبحانه إنما يقسمُ من مخلوقاته بما هو من آياته الدَّالَّة على ربوبيته ووحدانيته.
وقد أثنى سبحانه في كتابه على المتفكِّرين في خلق السَّموات والأرض، وذَمَّ المُعْرِضين عن ذلك؛ فقال:{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}[الأنبياء: ٣٢].
وتأمَّل خلقَ هذا السَّقف الأعظم ــ مع صلابته وشدَّته ووَثاقته ــ مِن دُخان، وهو بخارُ الماء؛ قال الله تعالى:{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا}[النبأ: ١٢]، وقال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات: ٢٧ - ٢٨]، وقال:{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}[الأنبياء: ٣٢].
فانظر إلى هذا البناء الشَّديد العظيم الواسع الذي رَفَع سَمْكَه أعظمَ ارتفاع، وزيَّنه بأحسن زينة، وأودعه العجائبَ والآيات، وكيف ابتدأ خَلقَه من بخارٍ ارتفع من الماء وهو الدُّخان.
فسُبحانَ مَنْ لا يَقْدِرُ الخلقُ قَدْرَه ... ومَنْ هو فوق العرشِ فَردٌ مُوَحَّدُ (١)
(١) البيت لأمية بن أبي الصَّلت في «الزهرة» (٤٩٨)، وديوانه المجموع (٤٢).