للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: سفرُها هابطةً إلى حضيضها.

تنتقلُ في منازل هذا السَّفر منزلةً منزلةً حتى تبلُغ غايتَها منه، فأحدَث ذلك السَّفرُ بقدرة الربِّ الخالق القادر (١) اختلافَ الفصول من الصَّيف والشتاء والخريف والربيع، فإذا انخفض سيرُها عن وسط السَّماء بَرَدَ الهواءُ وظهَر الشتاء، وإذا استوت في وسط السَّماء اشتدَّ القَيظ، وإذا كانت بين المسافتين اعتدَل الزَّمان، وقامت مصالحُ العباد (٢) والحيوان والنَّبات بهذه الفصول الأربعة، واختلفت بسببها الأقوات، وأحوالُ النبات والألوان، ومنافعُ الحيوان والأغذية وغيرها.

وانظر إلى القمر وعجائب آياته؛ كيف يُبْدِيه اللهُ كالخيط الدَّقيق، ثمَّ يتزايدُ نُورُه ويتكاملُ شيئًا فشيئًا كلَّ ليلةٍ حتى ينتهي إلى إبداره وكماله وتمامه، ثمَّ يأخذُ في النقصان حتى يعود إلى حالته الأولى؛ ليَظهَر من ذلك مواقيتُ العباد في معاشهم وعباداتهم ومناسكهم، فتميَّزت به الأشهرُ والسِّنين (٣)، وقام به حِسَابُ العالم، مع ما في ذلك من الحِكَم والآيات والعِبَر التي لا يحصيها إلا الله.


(١) (ح، ن): «الرب القادر».
(٢) (ت): «واستقامت مصالح العباد».
(٣) (ق، د، ت): «فتميزت بين الأشهر والسنين».