للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنده، فهو لا يزالُ يكررُ (١) بتفكُّره على تذكُّره، وبتذكُّره على تفكُّره ما دام عاقلًا؛ لأنَّ العلمَ والإرادة لا يقفان به على حدٍّ، بل هو دائمًا سائرٌ بين العلم والإرادة.

وإذا عرفتَ معنى كون آيات الرَّبِّ تبارك وتعالى تبصرةً وذكرى؛ يُتبصَّرُ بها مِن عمى القلب، ويُتذكَّرُ بها مِنْ غفلتِه= فإنَّ المضادَّ للعلم إمَّا عمى القلب؛ وزوالُه بالتبصُّر، وإمَّا غفلتُه؛ وزواله بالتذكُّر.

والمقصودُ تنبيهُ القلب من رقدته بالإشارة إلى شيءٍ من بعض آيات الله، ولو ذَهبنا نتتبَّعُ ذلك لنَفِدَ الزَّمانُ ولم نُحِط بتفصيل (٢) واحدةٍ من آياته على التَّمام، ولكن ما لا يُدْرَكُ جملةً لا يُتْرَكُ جملة.

وأحسنُ ما أُنفِقَت فيه الأنفاسُ التفكُّرُ في آيات الله وعجائب صُنْعِه، والانتقالُ منها إلى تعلُّق القلب والهمَّة به دون شيءٍ من مخلوقاته؛ فلذلك عَقَدنا هذا الكتابَ على هذين الأصلين؛ إذ هما أفضلُ ما يكتسبُه العبدُ في هذه الدَّار.

فصل (٣)

فسَل المعطِّل الجاحد (٤): ما تقولُ في دُولابٍ (٥) دائرٍ على نهرٍ قد


(١) كذا في الأصول. ولعلها: يكرُّ.
(٢) (ت): «بتحصيل».
(٣) «الدلائل والاعتبار» (٩)، «توحيد المفضل» (٨٧).
(٤) (ت): «المعطل الجاهل الجاحد».
(٥) آلةٌ تديرها الدابة، يستقى بها الماء. فارسيَّة معرَّبة. انظر: «الصحاح» (دلب)، و «قصد السبيل» (٢/ ٣٨) وحاشيته.