للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُحكِمَت آلاتُه، وأُحكِمَ تركيبُه، وقُدِّرَت أدواتُه أحسنَ تقديرٍ وأبلغَه بحيث لا يرى النَّاظرُ فيه خللًا في مادَّته ولا في صورته، وقد جُعِل على حديقةٍ عظيمةٍ فيها من كلِّ أنواع الثِّمار والزُّروع يسقيها حاجتَها، وفي تلك الحديقة من يقومُ بأمرها ولَمِّ شَعَثِها، ويحسِنُ مراعاتها وتعهُّدَها والقيامَ بجميع مصالحها، فلا يختلُّ منها شيءٌ ولا تَتلفُ ثمارها، ثمَّ يقسِمها قَيِّمُها (١) عند الجَذَاذ على سائر المَحاويج (٢) بحسب حاجاتهم وضروراتهم، فيَقسِمُ لكلِّ صنفٍ منهم ما يليقُ به، ويَقسِمُه (٣) هكذا على الدَّوام.

أترى هذا اتفاقًا بلا صانعٍ ولا مختارٍ ولا مدبِّر؟! بل اتَّفق وجودُ ذلك الدُّولاب والحديقة وكلِّ ذلك اتفاقًا، من غير فاعلٍ ولا قيِّمٍ ولا مدبِّر!

أفترى ما يقولُ لك عقلُك في ذلك لو كان؟! وما الذي يُفتيك به؟! وما الذي يرشدُك إليه؟!

ولكنَّ مِن حكمة العزيز الحكيم أنْ خَلَق قلوبًا عُميًا لا بصائر لها، فلا ترى هذه الآيات الباهرة إلا رؤيةَ الحيوانات البهيميَّة، كما خَلَق أعينًا عُميًا لا أبصار لها، فالشمسُ والقمرُ والنُّجومُ باديةٌ (٤) وهي لا تراها، فما ذنبُها إن أنكرَتها وجحدَتها؟! فهي تقولُ في ضوء النَّهار: هذا ليلٌ، ولكنَّ أصحابَ الأعيُن لا يعرفون شيئًا!


(١) (ن): «قيمتها». وهو تحريف.
(٢) (ح، ن): «المخارج». تحريف.
(٣) (د، ق): «ويقيمه».
(٤) (ح، ن): «والنجوم مسخرات بأمره».