للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب البيت فلا يدعُ واحدةً تزاحمُ الأخرى ولا تتقدَّم عليها في العُبور، بل تَعْبُرُ بيوتها واحدةً بعد واحدةٍ بغير تزاحُمٍ ولا تصادمٍ ولا تراكُم، كما يفعلُ الأميرُ إذا انتهى بعسكره إلى معْبرٍ ضيِّقٍ لا يجُوزه إلا واحدٌ واحد.

ومن تدبَّر أحوالها وسياستَها وهدايتها، واجتماعَ شملها، وانتظامَ أمرها، وتدبيرَ مُلْكِها، وتفويض كلِّ عملٍ إلى واحدٍ منها= يتعجَّبُ منها كلَّ العجب، ويعلمُ أنَّ هذا ليس في مقدورها ولا هو مِنْ ذاتها؛ فإنَّ هذه أعمالٌ محكمةٌ متقنةٌ في غاية الإحكام والإتقان، فإذا نظرتَ إلى العامل (١) رأيتَه مِنْ أضعف خلق الله وأجهَلِه بنفسه وبحاله، وأعجَزِه (٢) عن القيام بمصلحته فضلًا عمَّا يصدُر منه من الأمور العجيبة.

ومن عجيب أمرها أنَّ أميرين فيها لا يجتمعان (٣) في بيتٍ واحد، ولا يتأمَّران على جمعٍ واحد، بل إذا اجتمع منها جُنْدان وأميران قتلوا أحدَ الأميرين وقطَّعوه واتفقوا على الأمير الواحد، مِنْ غير معاداةٍ بينهم ولا أذًى من بعضهم لبعض، بل يصيرون يدًا واحدةً وجندًا واحدًا.

فصل

ومن عجيب أمرها ما لا يهتدي له أكثرُ الناس ولا يعرفونه؛ وهو النِّتاجُ الذي يكونُ لها، هل هو على وجه الولادة أو التَّولُّد والاستحالة؟ (٤) فقَلَّ من


(١) (ح، ن): «القائل».
(٢) (ت): «وأجهلهم ... وأعجزهم».
(٣) (ح، ن): «أن فيها أميرين لا يجتمعان». والمثبت أجود.
(٤) (ح): «الولادة والتولد أو الاستحالة». وفي (ت، ق): «الولادة والتولد والاستحالة». (د): «الولادة والتوالد والاستحالة».