للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيوت. فلا يُرى للنَّحل بيتٌ غير هذه الثَّلاثة البتة.

وتأمَّل كيف أكثرُ بيوتها في الجبال والشقفان، وهو البيتُ المقدَّمُ في الآية، ثمَّ في الأشجار، وهي مِنْ أكثر بيوتها (١)، وفيما يَعْرِشُ الناس، وأقلُّ بيوتها بينهم حيثُ يَعْرِشُون، وأما في الجبال والشجر بيوتٌ (٢) عظيمةٌ يؤخذُ منها من العسل (٣) الكثيرُ جدًّا.

وتأمَّل كيف أدَّاها حُسْنُ الامتثال إلى أن ا تخذت البيوتَ قبل المرعى؛ فهي تتَّخذ البيوتَ أوَّلًا، ثمَّ إذا استقرَّ لها بيتٌ خرجت منه فرعَت وأكلت من الثِّمار، ثمَّ أوتْ إلى بيوتها؛ لأنَّ ربها سبحانه أمرها با تخاذ البيوت أوَّلًا، ثمَّ بالأكل بعد ذلك، ثمَّ إذا أكلت سلكت سُبلَ ربها مذلَّلةً لها (٤) لا يستَوعِرُ عليها شيءٌ، ترعى ثمَّ تعود.

ومن عجيب شأنها أنَّ لها أميرًا يسمَّى: «اليَعْسُوب» لا يتمُّ لها رواحٌ ولا إيابٌ ولا عملٌ ولا مرعًى إلا به، فهي مؤتمرةٌ لأمره، سامعةٌ له مطيعة، وله عليها تكليفٌ وأمرٌ ونهي، وهي رعيَّةٌ له (٥)، منقادةٌ لأمره، متَّبعةٌ لرأيه، يدبِّرها كما يدبِّرُ الملكُ أمرَ رعيَّته، حتى إنها إذا أوتْ إلى بيوتها وقفَ على


(١) «حياة الحيوان» (٤/ ٣٢): «وهي دون ذلك». وقد نقل الدميريُّ من هذا الموضع دون تصريح، وصرَّح بالنقل في موضعٍ آخر.
(٢) كذا في الأصول، بحذف الفاء من جواب (أما). وهي لغةٌ قليلة، ولها شواهد، وزعم بعضهم أنها ضرورةٌ في الشعر، وليس كذلك، والجادة إثباتها. انظر: «شواهد التوضيح» (١٣٦)، و «فتح الباري» (١٠/ ٣٦).
(٣) (ت): «يؤخذ منها العسل».
(٤) «لها» ليست في (ن، ح).
(٥) (ن): «وهي راغبة له».