للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأجابوا بأنا لا نقول: إنهم في النَّار كما قاله من قاله من النَّاس، والنَّارُ لا يُدخِلُها ربُّها أحدًا إلا بذنب (١)، وهؤلاء لا ذنبَ لهم.

وكذا الكلامُ معهم في مسألة الأطفال (٢)، والحِجَاجُ فيها من الجانبين بما ليس هذا موضعه (٣).

فأُورِد عليهم ما لا جواب لهم عنه، وهو إيلامُ أطفالهم الذين قُدِّر بلوغُهم وموتُهم على الكفر، فإنَّ هذا لا تعويض فيه قطعًا ولا هو عقوبةٌ على الكفر، فإنَّ العقوبة لا تكونُ سلفًا وتعجيلًا.

فحاروا في هذا الموضع، واضطربت أصولهم، ولم يأتوا بما يقبلُه العقل.

* وقالت طائفةٌ ثالثة: هذا السُّؤال لو تأمَّله مُورِدُه لعَلِمَ أنه ساقط، وأنَّ تكلُّف الجواب عنه إلزامُ ما لا يَلْزَم، فإنَّ هذه الآلام وتوابعَها وأسبابها (٤) من لوازم النَّشأة الإنسانيَّة التي لم يخلق منفكًّا عنها، فهي كالحرِّ والبرد، والجوع والعطش، والتَّعب والنَّصَب، والهمِّ والغمِّ، والضعف والعجز، فالسُّؤال عن حكمتها كالسُّؤال عن حكمة الحاجة إلى الأكل عند الجوع، والحاجة إلى الشراب عند الظَّمأ، وإلى النَّوم والرَّاحةِ عند التَّعب؛ فإنَّ هذه الآلام هي من لوازم النَّشأة الإنسانيَّة التي لا ينفكُّ عنها الإنسانُ ولا


(١) (ح، ن): «لا يدخلها أحد إلا بذنب».
(٢) أطفال المشركين، ومآلهم في الآخرة.
(٣) بسط المصنفُ الكلام في هذه المسألة في: «طريق الهجرتين» (٨٤٢ - ٨٧٧)، و «أحكام أهل الذمة» (١٠٧١ - ١١٥٨)، و «تهذيب السنن» (١٢/ ٣١٦ - ٣٢٣).
(٤) «وأسبابها» ليست في (ق).