للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدَّاعي الذي يقتضيه ويستحثُّه:

فالجوعُ يستحِثُّ الأكلَ ويطلُبه؛ لِمَا فيه من قِوام البدن وحياته ومماته (١).

والكرى يقتضي النَّوم ويستحِثُّه؛ لما فيه من راحة البدن والأعضاء وجَمام القُوى وعَوْدِها إلى قوَّتها حديدةً (٢) غير كالَّة.

والشَّبَقُ يقتضي الجماع الذي به دوامُ النَّسل، وقضاءُ الوطر، وتمامُ اللذَّة.

فتجدُ هذه الدَّواعي تستحثُّ الإنسانَ لهذه الأمور وتتقاضاها منه بغير اختياره، وذلك عينُ الحكمة؛ فإنه لو كان الإنسانُ إنما يستدعي هذه المُسْتَحثَّات إذا أرادها لأوشك أن يَشْتغل عنها بما يَعْروه (٣) من العوارض مدَّةً فينحلَّ بدنُه ويهلك ويترامى إلى الفساد وهو لا يشعر، كما إذا احتاج بدنُه إلى شيءٍ من الدَّواء والعلاج (٤) فدافَعه وأعرض عنه حتى استَحكم به الدَّاءُ فأهلَكه.

فاقتضت حكمةُ اللطيف الخبير أن جُعِلت فيه بواعثُ ومُسْتَحثَّاتٌ تؤزُّه


(١) (ر): «فالجوع يقتضي الطُّعم الذي فيه حياة البدن وقوامه».
(٢) (ح، ت، ن): «جديدة». والمثبت من (د، ق) أولى بالصواب؛ يقال: «فلانٌ حديد الفهم» أي: ذكيُّ القلب صافي الذهن. وقال تعالى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} أي: ثابتٌ نافذ. وانظر: «عمدة الحفاظ» للسمين (حدد).
(٣) (ح، ن): «يعوزه».
(٤) (د، ق، ح، ن): «والصلاح». والمثبت من (ت، ر) أشبه. والعبارة في (ض): «كما يحتاج الواحد الدواء لشيء مما يصلح به بدنه».