للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أزًّا إلى ما فيه قِوَامه وبقاؤه ومصلحتُه، وتَرِدُ عليه بغير اختياره ولا استدعائه، فجُعِل لكلِّ واحدٍ من هذه الأفعال محرِّكٌ من نفس الطَّبيعة يحرِّكُه ويَحْدُوه عليه.

ثمَّ انظُر إلى ما أُعطِيَه من القُوى المختلفة التي بها قِوَامُه:

* فأُعطِي القوَّة الجاذبة (١) الطَّالبة المُسْتَحِثَّة التي تقتضي معلُومَها من الغذاء، فتأخذه وتُورِدُه على الأعضاء بحسب قبولها.

* ثمَّ أُعطِي القوَّة المُمْسِكة التي تمسكُ الطَّعام وتحبسُه ريثما تُنْضِجُه الطَّبيعةُ وتُحْكِمُ طبخَه وتهيِّئه لمصارفه وتبعثُه لمستحقِّيه.

* ثمَّ أُعطِي القوَّة الهاضمة التي تَصْرِفُه في البدن وتَهْضِمُه عن المعدة.

* ثمَّ أُعطِي القوَّة الدَّافعة، وهي التي تدفعُ ثُفْلَه وما لا منفعة فيه، فتدفعُه وتخرجُه عن البدن لئلَّا يؤذيه (٢) ويُنْهِكه.

فمن أعطاك هذه القُوى عند شدَّة حاجتك إليها؟! ومن جعلها خدَمًا لك؟! ومن أعطاها أفعالها (٣) واستعمل كلَّ واحدٍ منها على عملٍ غير عمل الآخر؟! ومن ألَّف بينها على تباينها حتى اجتمعت في شخصٍ واحدٍ ومحلٍّ واحد، ولو عادى بينها كان بعضها يُذْهِبُ بعضًا؟! فمن كان يَحُولُ بينه وبين ذلك؟!

فلولا القوَّةُ الجاذبةُ بِمَ كنت تتحرَّك لطلب الغذاء الذي به قِوامُ البدن؟!


(١) (ح، ن): «الحادية».
(٢) (ت): «يرديه».
(٣) (ن): «أعطاك أفعالها».