للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرَّازق، وترتُّب المرحوم وأسباب الرَّحمة على الرَّاحِم (١)، وترتُّب المرئيَّات والمسموعات على السَّميع والبصير، ونظائر ذلك في جميع الأسماء.

فلو لم يكن في عباده من يخطاء ويذنبُ ليتوب عليه، ويغفر له، ويعفُو عنه، لم يَظْهَرْ أثرُ أسمائه الغفور، والعفوِّ، والحليم، والتَّواب، وما جرى مجراها.

وظهورُ أثر هذه الأسماء ومتعلَّقاتها في الخليقة كظهور آثار سائر الأسماء الحسنى ومتعلَّقاتها؛ فكما أنَّ اسمه «الخالق» يقتضي مخلوقًا، و «البارئ» يقتضي مبروءًا، و «المصوِّر» يقتضي مصوَّرًا ولا بدَّ، فأسماؤه «الغفَّار، التَّواب، العفوُّ، الحليم» تقتضي مغفورًا له (٢) وما يغفرُه له، وكذلك من يتوبُ عليه، وأمورًا يتوبُ عليه مِنْ أجلِها، ومَنْ يَحْلُمُ عنه ويعفو عنه، وما يكونُ متعلَّق الحِلْم والعفو؛ فإنَّ هذه الأمور متعلِّقةٌ بالغير ومعانيها مستلزمةٌ لمتعلَّقاتها.

وهذا بابٌ أوسعُ (٣) من أنْ يُدْرَك، واللبيبُ يكتفي منه باليسير، وغليظُ الحجاب في وادٍ ونحنُ في واد.

وإن كان أثلُ الوادِ يجمعُ بيننا ... فغيرُ خفيٍّ شِيحُه مِنْ خُزامِه (٤)


(١) كذا وقع في الأصول: الرازق، الراحم. وليسا من الأسماء الحسنى. وإنما هما: الرزاق، الرحيم. فلو أوردهما لكان أولى.
(٢) (ح، ن): «والمصور يقتضي مصورا، والغفور يقتضي مغفورا له».
(٣) (ق): «واسع». (ت): «واسع أوسع».
(٤) مأخوذٌ من قول أبي العلاء:
وإن يكُ وادينا من الشِّعر واحدًا ... فغيرُ خفيٍّ أثلُه من ثمامِه
انظر: «شروح سقط الزند» (٢/ ٤٧٤)، و «الانتصار» للبطليوسي (٢٢).
والشِّيح والخُزامى نبتان طيِّبا الرائحة، إلا أن الخزامى أطيب. قال بعضهم: لم نجد من الزهر زهرةً أطيب نفحةً من زهرة الخزامى. «اللسان». والمقابلة بين الأثل والثمام أظهر منها بين الشِّيح والخزامى.