للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العِبارة، وإنما يُدْرَكُ بوجوده، فيحصُل للرُّوح بذلك قُربٌ خاصٌّ لم يكن يحصُل بدون هذه الأسباب، ويجدُ العبدُ من نفسه كأنه مُلقًى على باب مولاه بعد أن كان نائيًا عنه، وهذا الذي أثمَر له: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، وهو ثمرة: «لَلَّهُ أفرحُ بتوبة عبده» (١).

وأسرارُ هذا الوجه يضيقُ عنها القلبُ واللسان، وعسى أن يجيئك في القسم الثَّاني من الكتاب ما تقرُّ به عينُك إن شاء الله تعالى (٢).

فكم بين عبادة مُدِلٍّ على ربِّه بعبادته، شامخٍ بأنفه، كلَّما طُلِبَت منه (٣) أوصافُ العبد قامت صُوَرُ تلك الأعمال في نفسه فحجبَته عن معبوده وإلهه، وبين عبادة من قد كَسَرَ الذلُّ قلبَه كلَّ الكَسْر (٤)، وأحرَق ما فيه من الرُّعونات والحماقات والخيالات، فهو لا يرى نفسَه مع الله إلا مسيئًا، كما لا يرى ربَّه إليه إلا محسنًا؛ فهو لا يرضى (٥) نفسَه لله طرفةَ عين؛ قد كَسَرَ إزراؤه (٦) على نفسه قلبَه، وذلَّل لسانَه وجوارحَه، وطأطأ منه ما ارتفع من غيره، فقلبُه واقفٌ بين يدي ربِّه وقوفَ ناكسِ الرَّأس، خاضعٍ (٧) غاضِّ البصر، خاشع الصَّوت،


(١) والحديث في الصحيحين، وقد تقدم قريبًا.
(٢) انظر ما كتبناه في المقدمة حول تقسيم الكتاب.
(٣) (د، ق، ن، ت): «كلما طلب منه».
(٤) (ح): «كل الكسرة».
(٥) (د، ت): «يرى». وفي طرة (د): «لعله: يرضى». ولم يتنبه ناسخ (ق)، فجعلها: «يرضى يرى». والعبارة في (ح، ن): «لا يرى نفسه طرفة عين». والصواب المثبت. وانظر: «مدارج السالكين» (٢/ ٩٤).
(٦) (ن): «ازدراؤه».
(٧) (د، ت، ق): «خاشع». (ن): «خاشع خاضع».