للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقامٍ أُقِيم هذا القلبُ إذ ذاك؟! وأيَّ قربٍ حَظِي به؟! وأيَّ نعيمٍ أدركه؟! وأيَّ رَوْحٍ باشره؟!

فتأمَّل الآن موقعَ الكَسْرة التي حصلت له بالمعصية في هذا الموطن، ما أعجبَها! وما أعظمَ موقعَها!

كيف جاءت فمحقَت (١) من نفسه الدَّعاوى والرُّعونات وأنواع الأماني الباطلة، ثمَّ أوجَبَت له الحياءَ والخجل من صالح ما عَمِل، ثمَّ أوجبت له استكثارَ قليلِ ما يَرِدُ عليه من ربِّه لعِلْمه بأنَّ قَدْرَه أصغرُ من ذلك وأنه لا يستحقُّه، واستقلالَ أمثال الجبال من عمله الصَّالح بأنَّ سيِّئاته (٢) وذنوبَه تحتاجُ من المكفِّرات والماحيات إلى أعظم من هذا.

فهو لا يزالُ محسنًا وعند نفسه المسيء المذنب منكسرًا ذليلًا خاضعًا، لا يرفعُ له رأسًا، ولا يقيمُ له صدرًا (٣)، وإنما ساقه إلى هذا الذلُّ الذي أورثه إياه مباشرةُ الذَّنب، فأيُّ شيءٍ أنفعُ له من هذا الدَّواء؟!

لعلَّ عَتْبَكَ محمودٌ عواقبُه ... وربَّما صَحَّتِ الأجسامُ بالعِلَلِ (٤)

ونكتةُ هذا الوجه أنَّ العبدَ متى شَهِد صلاحَه واستقامتَه شَمَخ بأنفه وتعاظمت إليه نفسُه، وظَنَّ أنه ... وأنه ... ، فإذا ابتُلي بالذَّنب تصاغرت إليه نفسُه، وذلَّ وخضع، وتيقَّن أنه ... وأنه ... ! (٥).


(١) (ت): «فحققت».
(٢) أي: لعلمه بأنَّ سيئاته.
(٣) (ح، ن): «لا يرتفع له رأس ولا ينقام له صدر».
(٤) البيت للمتنبي، في ديوانه (٣٣١).
(٥) انظر: «طريق الهجرتين» (٣٦٣).