للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يستخرجُ مِنْ قلب المُحِبِّ من أنواع التقرُّب والتودُّد والتملُّق والإيثار والرِّضا والحمد والشُّكر والصَّبر والتقدُّم وتحمُّل العظائم ما لا يستخرجُه الخوفُ وحده، ولا الرَّجاءُ وحده؛ كما قال بعض الصَّحابة: «إنه ليسْتَخْرِجُ محبتُه من قلبي من طاعته ما لا يستخرجُه خوفُه» (١) أو كما قال.

فهذا ذلُّ المحبِّين.

الثَّاني: ذلُّ المعصية؛ فإذا انضاف هذا إلى هذا هناك فَنِيَت الرُّسوم، وتلاشَت الأنفُس، واضمحلَّت القُوى (٢)، وبطَلَت الدَّعاوى جملة، وذهبت الرُّعونات، وطاحت الشَّطحات، ومُحِيَ من القلب واللسان: أنا وأنا، واستراح المسكينُ من شكاوى الصُّدود والإعراض والهجر، وتجرَّد الشُّهود، فلم يبق إلا شهودُ العزِّ والجلال المحض الذي تفرَّد به ذو الجلال والإكرام، الذي لا يشاركه أحدٌ من خلقه في ذرَّةٍ من ذرَّاته، وشهودُ الذُّلِّ والفقر المحض من جميع الوجوه بكلِّ اعتبار؛ فيشهدُ غاية ذلِّه وانكساره، وعزَّة محبوبه وجلاله وعظمته وقدرته وغِناه.

فإذا تجرَّد له هذان الشُّهودان، ولم يبق ذرَّةٌ من ذرَّات الذُّلِّ والفقر والضرورة إلى ربِّه شَهِدَها فيه بالفعل (٣)، وقد شَهِد مقابِلها هناك= فلِلَّه أيَّ


(١) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٣٦٣) عن الفضيل بن عياض، عن حكيمٍ من الحكماء. وأخرجه ابن المبارك في الزهد (٢١٩) - ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (٤/ ٥٤) - عن وهب بن منبه عن حكيمٍ من الحكماء. ونسبه أبو طالب في «قوت القلوب» (٢/ ٩٠) لصهيب رضي الله عنه.
وانظر: «بدائع الفوائد» (٩٥)، وما سيأتي (ص: ١٠٨٢).
(٢) (ح): «القلوب».
(٣) (ح، ن): «إلا شاهدها فيه بالعقل».