للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالإحسان، ومن عَلِمَ أنَّ الذُّنوبَ والإساءة لازمةٌ للإنسان لم تعظُم عنده إساءةُ النَّاس إليه.

فليتأمَّل هو حاله مع الله، كيف هي، مع فَرْط إحسانه إليه وحاجته هو إلى ربِّه، وهكذا هو له (١)؛ فإذا كان العبدُ هكذا لربِّه فكيف يُنكِرُ أن يكون النَّاسُ له بتلك المنزلة؟!

فصل

ومنها: أنه يقيمُ (٢) معاذيرَ الخلائق، وتتَّسعُ رحمتُه لهم، وينفرِجُ بِطانُه (٣)، ويزولُ عنه ذلك الحَصَرُ والضِّيقُ والانحراجُ (٤) وأكلُ بعضِه بعضًا، ويستريحُ العصاةُ من دعائه عليهم، وقُنوته عليهم (٥)، وسؤال الله أن يخسِف بهم الأرض ويسلِّط عليهم البلاء؛ فإنه حينئذٍ يرى نفسَه واحدًا منهم، فهو يسألُ الله لهم ما يسأله لنفسه، وإذا دعا لنفسه بالتَّوبة والمغفرة والعفو أدخلهم معه؛ فيرجو لهم فوق ما يرجو لنفسه، ويخافُ على نفسه أكثر مما يخافُ عليهم.

فأين هذا مِنْ حاله الأولى وهو ناظرٌ إليهم بعَين الاحتقار والازدراء، لا يجدُ في قلبه رحمةً لهم ولا دعوةً ولا يرجو لهم نجاةً؟!


(١) (ن): «وهكذا هو حاله».
(٢) في طرة (ن): «لعله: يقبل».
(٣) (ق، ت): «ويتفرج بطانه». أي: يتسع صدره. تقول العرب: «التقت حلقتا البِطان» للأمر يبلغ الغاية في الشِّدَّة. والبِطانُ: الحزامُ الذي يلي البطن. انظر: «اللسان» (بطن)، و «جمهرة الأمثال» (١/ ١٨٨).
(٤) في الأصول: «والانحراف». والمثبت أشبه. انظر: «زاد المعاد» (٢/ ٢٤).
(٥) «وقنوته عليهم» ليس في (ت).