للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإنابة والمحبة والإيثار (١) والفرار إلى الله ما لا يَهِيجُه له كثيرٌ من الطَّاعات.

وكم من ذنبٍ كان سببًا لاستقامة العبد وفراره إلى الله وبُعْده عن طرق الغيِّ، وهو بمنزلة من خَلَط فأحسَّ بسوء مِزاجه، وكان عنده أخلاطٌ مُزْمِنةٌ قاتلةٌ وهو لا يشعُر بها، فشرب دواءً أزال تلك الأخلاط العَفِنَة التي لو دامت لترامت به إلى الفساد والعطب.

وإنَّ من تبلغُ رحمتُه ولطفُه وبرُّه بعبده هذا المبلغَ وما هو أعجبُ وألطفُ منه، فحقيقٌ به أن يكون الحبُّ كلُّه له، والطَّاعةُ كلُّها له، وأن يُذْكَر فلا يُنسى، ويُطاع فلا يُعصى، ويُشْكَر فلا يُكْفَر.

فصل

ومنها: أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وفضله في توفيقه له وحفظه إياه؛ فإنه من تربَّى في العافية لا يعلمُ ما يقاسيه المبتلى، ولا يعرفُ مقدار النِّعمة.

فلو عرف أهلُ طاعة الله أنهم هم المُنْعَمُ عليهم في الحقيقة، وأنَّ لله عليهم من الشُّكر أضعافَ ما على غيرهم، وإن توسَّدوا التُّرابَ ومَضَغوا الحصى، فهم أهلُ النعمة المطلقة، وأنَّ من خلَّى اللهُ بينه وبين معاصيه فقد سقط من عينه وهان عليه، وأنَّ ذلك ليس مِنْ كرامته على ربِّه، وإنْ وسَّع اللهُ عليه في الدُّنيا (٢) ومَدَّ له من أسبابها، فإنهم أهلُ الابتلاء على الحقيقة.


(١) (ت): «والآثار».
(٢) (ن): «وإن وسع له في الدنيا».