للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأمَّل كيف تجدُ القلبَ يرقُص فرحًا وأنت لا تدري سببَ ذلك الفرح ما هو، وهذا أمرٌ لا يحسُّ به إلا حيُّ القلب، وأمَّا ميِّتُ القلب فإنما يجدُ الفرحَ عند ظفره بالذَّنب، ولا يعرفُ فرحًا غيره.

فوازِنْ إذن بين هذين الفرحَيْن، وانظر ما يُعْقِبُه فرحُ الظَّفر بالذَّنب من أنواع الأحزان والهموم والغموم والمصائب؛ فمن يشتري فرحة ساعةٍ بغمِّ الأبد؟! وانظر ما يُعْقِبُه فرحُ الظَّفر بالطَّاعة والتَّوبة النَّصوح من الانشراح الدَّائم والنَّعيم وطِيب العَيْش، ووازِنْ بين هذا وهذا، ثمَّ اختَر ما يليقُ بك ويناسبك. وكلٌّ يعملُ على شاكلته.

* وكلُّ امراءٍ يصبو إلى ما يناسبُه * (١)

فصل

ومنها: أنه إذا شهد ذنوبَه ومعاصيه وتفريطه في حقِّ ربِّه استَكثر القليلَ من نِعَم ربِّه عليه ــ ولا قليلَ منه ــ لعلمه بأنَّ الواصل إليه منها (٢) كثيرٌ على مسيءٍ مثله، واستقلَّ الكثير من عمله لعلمه بأنَّ الذي ينبغي أن يغسل به نجاستَه وأوضارَه وأوساخَه أضعافُ ما يأتي به؛ فهو دائمًا مستقلٌّ لعمله كائنًا ما كان، مستكثرٌ لنعمة الله عليه وإن دقَّت.

وقد تقدَّم التنبيهُ على هذا الوجه (٣)، وهو من ألطف الوجوه، فعليك


(١) عجز بيتٍ ذكره المصنف في «مدارج السالكين» (٢/ ٣٨٦)، و «بدائع الفوائد» (٦٧٣) دون نسبة. وصدره:
* وكل امرئٍ يهفو إلى من يحبُّه *
(٢) (ت، ن، ق، د): «إليه فيها».
(٣) (ص: ٨٢٢).