للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمراعاته، فله تأثيرٌ عجيب. ولو لم يكن في فوائد الذَّنب إلا هذا لكفى به.

فأين حالُ هذا مِنْ حال من لا يرى لله عليه نعمةً إلا ويرى أنه كان ينبغي أن يُعطى ما هو فوقها وأجلَّ منها، وأنه لا يَقْدِرُ أن يتكلَّم، وكيف يعاندُ القَدَر وهو مظلومٌ مع الرَّبِّ لا يُنصِفُه ولا يعطيه مرتبتَه، بل هو مُغرًى (١) بمعاندته لفضله وكماله، وأنه كان ينبغي له أن ينال الثُّريَّا ويطأ بأخمصه هنالك، ولكنَّه مظلومٌ مَبْخوسُ الحظِّ؟!!

وهذا الضَّربُ من أبغض الخلق إلى الله، وأشدِّهم مقتًا عنده، وحكمةُ الله تقتضي أنهم لا يزالون في سَفَال، فهم بين تعتُّبٍ (٢) على الخالق، وشكوى له، وذلٍّ لخلقه، وحاجةٍ إليهم، وخدمةٍ لهم، أشغلُ النَّاس قلوبًا بأرباب الولايات والمناصب، ينتظرون ما يقذفون به إليهم من عظامهم وغُسَالة أيديهم وأوانيهم (٣)، وأفرغُ النَّاس قلوبًا عن معاملة الله، والانقطاع إليه، والتلذُّذ بمناجاته، والطُّمأنينة بذكره، وقُرَّة العين بخشيته، والرِّضا به.

فعياذًا بالله من زوال نعمته، وتحوُّل عافيته، وفجأة نقمته، ومن جميع سخطه.

فصل

ومنها: أنَّ الذَّنبَ يوجبُ لصاحبه التيقُّظ والتحرُّز من مصايد عدوِّه ومكامنه، ومن أين يدخلُ عليه اللصوصُ والقُطَّاعُ ومكامِنُهم، ومن أين يخرجون عليه، وفي أيِّ وقتٍ يخرجون، فهو قد استعدَّ لهم وتأهَّب، وعرف


(١) أي القَدَر. وفي (د، ت، ق): «بل هو حري».
(٢) (ح، ن): «فهم بين معتب».
(٣) (ح، ن): «وأوساخهم».