للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، وامتَحَن هاروتَ وماروتَ بما امتحنهما به، جَعَلت الملائكةُ بعد ذلك تستغفرُ لبني آدم وتدعو الله لهم» (١).

فصل

ومنها: أنه إذا شَهِد نفسَه مع ربِّه مسيئًا خاطئًا مفرِّطًا (٢)، مع فَرْطِ إحسان الله إليه في كلِّ طرفة عين، وبرِّه به، ودَفْعِه عنه، وشدَّة حاجته إلى ربِّه، وعدم استغنائه عنه نَفَسًا واحدًا، وهذه حالُه معه= فكيف يطمعُ أن يكون النَّاسُ معه كما يحبُّ، وأن يعاملوه بمحض الإحسان وهو لم يعامل ربَّه بتلك المعاملة؟! وكيف يطمعُ أن يطيعه مملوكُه وولدُه وزوجتُه في كلِّ ما يريد، ولا يعصونه (٣) ولا يخلُّون بحقوقه، وهو مع ربِّه ليس كذلك؟! وهذا يوجبُ له أن يستغفر لمسيئهم، ويعفو عنه، ويسامحه، ويُغْضِي عن الاستقصاء في طلب حقِّه.

فهذه الآثارُ ونحوُها متى اجتناها العبدُ من الذَّنب فهي علامةُ كونه رحمةً في حقِّه، ومتى اجتنى منه (٤) أضدادَها وأوجبت له خلافَ ما ذكرناه فهي والله علامةُ الشَّقاوة، وأنه مِنْ هوانه على الله وسقوطه من عَيْنه خلَّى بينه وبين معاصيه؛ ليقيم عليه حجَّةَ عدله، فيعاقبه باستحقاقه.


(١) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢/ ٤٤٢)، ومن طريقه البيهقي في «شعب الإيمان» (١٢/ ٨٥) عن ابن عباس. وصححه الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي.
(٢) (ن): «مسيئا مخطئا خاطئا مفرطا مع الله». (ح): «مسيئا خاطئا مع الله».
(٣) كذا في الأصول.
(٤) (ح، ن): «ومن اجتنى منه».