للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنح (١) في حقِّهم والكرامة، فصورتُه صورةُ ابتلاءٍ وامتحان (٢)، وباطنُه فيه الرحمةُ والنِّعمةُ والمنَّة. فكم لله من نعمةٍ جسيمةٍ ومنَّةٍ عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان!

فتأمَّل حال أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم -، وما آلت إليه محنتُه من الاصطفاء والاجتباء والتَّوبة والهداية ورفعة المنزلة، ولولا تلك المحنةُ التي جرت عليه ــ بإخراجه (٣) من الجنَّة، وتوابع ذلك ــ لما وصل إلى ما وصل إليه، فكم بين حالته الأولى وحالته الثَّانية في نهايته!

وتأمَّل حال أبينا الثَّاني نوحٍ - صلى الله عليه وسلم -، وما آلت إليه محنتُه وصبرُه على قومه تلك القرون كلَّها، حتى أقرَّ اللهُ عينَه، وأغرَق أهلَ الأرض بدعوته، وجَعَل العالم بعده من ذريَّته، وجَعَله خامس خمسةٍ هم أولو العزم الذين هم أفضلُ الرسل، وأمر رسوله ونبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يصبر كصبره، وأثنى عليه بالشُّكر، فقال: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: ٣]، فوصفه بكمال الصَّبر والشُّكر.

ثمَّ تأمَّل حال أبينا الثَّالث إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -؛ إمام الحنفاء، وشيخ الأنبياء، وعَمُود العالم (٤)، وخليل ربِّ العالمين من بني آدم، وتأمَّل ما آلت إليه محنتُه وصبرُه وبذلُه نفسَه لله.

وتأمَّل كيف آل به بذلُه لله نفسَه ونصرُه دينَه إلى أن اتخذه الله خليلًا لنفسه، وأمر رسوله وخليله محمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يتَّبع ملَّته.


(١) (ق، ت): «عين المنهج».
(٢) «وامتحان» ليست في (ح، ن).
(٣) (ح، ن): «وهي إخراجه».
(٤) ذكر المصنف في «جلاء الأفهام» (٣٠٦) أن أهل الكتاب يسمونه كذلك.