للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنبِّهك على خصلةٍ واحدةٍ مما أكرمه الله به في محنته بذبح ولده؛ فإنَّ الله تبارك وتعالى جازاه على تسليمه ولدَه لأمر الله بأن بارك في نسله وكثَّره، حتى ملأ السَّهل والجبل؛ فإنَّ الله تعالى لا يتكرَّمُ عليه أحد، وهو أكرمُ الأكرمين، فمن ترك لوجهه أمرًا أو فعله لوجهه بَذَل اللهُ له أضعاف ما تركه من ذلك الأمر أضعافًا مضاعفة، وجازاه بأضعاف ما فعله لأجله أضعافًا مضاعفة.

فلما أُمِرَ إبراهيمُ (١) بذبح ولده فبادر لأمر الله، ووافَق عليه الولدُ أباه، رضًا منهما وتسليمًا (٢)، وعَلِم الله منهما الصِّدق والوفاء= فَدَاه بذِبْحٍ عظيم وأعطاهما ما أعطاهما من فضله، وكان من بعض عطاياه أن بارك في ذريَّتهما حتى ملؤوا الأرض؛ فإنَّ المقصود بالولد إنما هو التناسلُ وتكثيرُ الذُّريَّة، ولهذا قال إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: ١٠٠]، وقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: ٤٠].

فغايةُ ما كان يَحْذَرُ ويخشى مِنْ ذبح ولده (٣) انقطاع نسله، فلمَّا بذل ولده لله وبذل الولدُ نفسَه، ضاعفَ الله النَّسل، وبارك فيه، وكثَّره، حتى ملؤوا الدُّنيا، وجعل النبوَّة والكتابَ في ذريَّته خاصَّة، وأخرج منهم محمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -.

وقد ذُكِر أنَّ داود عليه السَّلام أراد أن يَعْلمَ عَدَد بني إسرائيل، فأمَر بإحضارهم، وبَعَث لذلك نُقَباء وعُرَفاء، وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بَلَغ


(١) (ت): «فلما أمر الله إبراهيم».
(٢) (ت): «ووافق عليه الولد أباه رضي الله عنهما».
(٣) (د، ق، ن): «ذبح الولد».