للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُسْنه ومصلحته، وأنَّ الآمرَ به أحكمُ الحاكمين.

وليس يجوزُ في العقل ولا في الفطرة البتَّة أن تَرِد شريعةٌ من الحكيم العليم (١) بضدِّ ذلك أبدًا.

* وأمَّا الصَّوم، فناهيك به مِنْ عبادةٍ تَكُفُّ النَّفس عن شهواتها، وتخرجُها عن شَبَه البهائم إلى شَبَه الملائكة المقرَّبين، فإنَّ النَّفس إذا خُلِّيَت ودواعي شهواتها التحقَت بعالم البهائم، فإذا كفَّت شهواتها لله ضيَّقَت مجاري الشيطان، وصارت قريبةً من الله بترك عاداتها (٢) وشهواتها؛ محبةً له، وإيثارًا لمرضاته، وتقرُّبًا إليه، فيدعُ الصَّائمُ أحبَّ الأشياء إليه وأعظمها لصوقًا بنفسه من الطَّعام والشراب والجِماع من أجل ربِّه، فهو عبادةٌ لا تُتصَوَّرُ (٣) حقيقتُها إلا بترك الشَّهوة لله، فالصَّائمُ يدعُ طعامَه وشرابه وشهواته من أجل ربِّه.

وهذا معنى كون الصَّوم له تبارك وتعالى، وبهذا فسَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هذه الإضافة في الحديث، فقال: «يقولُ الله تعالى: كلُّ عمل ابن آدم يضاعف الحسنةُ بعشرة أمثالها، قال الله: إلا الصَّوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، يدعُ طعامَه وشرابه من أجلي» (٤)، حتى إنَّ الصَّائم ليتصوَّرُ بصورة من لا حاجة له في الدُّنيا إلا في تحصيل رضا الله (٥).


(١) (ت): «الحكيم العظيم».
(٢) (ق): «تترك عادتها». والحرف الأول مهمل في (د).
(٣) (ق، د): «ولا تتصور حقيقتها».
(٤) أخرجه البخاري (١٨٩٤)، ومسلم (١١٥١) من حديث أبي هريرة.
(٥) «محاسن الشريعة» (٢٢).