للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيُّ حُسْنٍ يزيدُ على حُسْن هذه العبادة التي تَكْسِرُ الشهوة، وتَقْمَعُ النَّفس، وتحيي القلبَ وتفرحُه، وتزهِّدُ في الدُّنيا وشهواتها، وترغِّبُ فيما عند الله، وتذكِّرُ الأغنياءَ بشأن المساكين وأحوالهم، وأنهم قد أخذوا بنصيبٍ (١) من عَيْشِهم، فتعطِّف قلوبهم عليهم، ويعلمون ما هم فيه من نِعَم الله فيزدادوا له شكرًا؟!

وبالجملة، فعونُ الصَّوم على تقوى الله أمرٌ مشهور، فما استعان أحدٌ على تقوى الله وحِفظ حدوده واجتناب محارمه بمثل الصَّوم، فهو شاهدٌ لمن شرعه وأمر به بأنه أحكمُ الحاكمين وأرحمُ الراحمين، وأنه إنما شرعه إحسانًا إلى عباده، ورحمةً بهم (٢)، ولطفًا بهم، لا بخلًا عليهم برزقه، ولا مجرَّد تكليفٍ وتعذيبٍ خالٍ من الحكمة والمصلحة، بل هو غايةُ الحكمة والرحمة والمصلحة، وأنَّ شَرْع هذه العبادات لهم من تمام نعمته عليهم، ورحمته بهم.

* وأمَّا الحجُّ، فشأنٌ آخرُ لا يُدْرِكه إلا الحنفاءُ الذين ضربوا في المحبة بسَهْم، وشأنه أجلُّ من أن تحيط به العبارة، وهو خاصَّةُ هذا الدِّين الحنيف، حتى قيل في قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ} [الحج: ٣١]: «أي: حُجَّاجًا» (٣).

وجَعَل الله بيتَه الحرام قِيامًا للنَّاس، فهو عمودُ العالَم الذي عليه بناؤه، فلو ترك النَّاسُ كلُّهم الحجَّ سنةً لخرَّت السَّماءُ على الأرض، هكذا قال


(١) (ت): «نصيب».
(٢) (ت): «ورحمة لهم».
(٣) ورد هذا عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما. انظر: «تفسير الطبري» (٣/ ١٠٦، ٢٤/ ٥٤١).