للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفرق في هذه الأنواع بين المباح والمحظور، والحسن والقبيح، والضارِّ والنَّافع، والطَّيِّب والخبيث، فحرَّم منها القبيحَ والخبيثَ والضارَّ وأباح منها الحسنَ والطيِّبَ والنَّافع، كما سيأتي إن شاء الله.

وتأمَّل ذلك في المَناكح، فإنَّ من المستقرِّ في العقول والفطر أنَّ قضاء هذا الوَطَر في الأمَّهات والبنات والأخوات والعمَّات والخالات والجدَّات مُستقبَحٌ في كلِّ عقل، مُستهجَنٌ في كلِّ فطرة (١)، ومن المحال أن يكون المباحُ من ذلك مساويًا للمحظور في نفس الأمر، ولا فرق بينهما إلا مجرَّدُ التحكُّم بالمشيئة. سبحانك هذا بهتانٌ عظيم. وكيف يكونُ في نفس الأمر نكاحُ الأمِّ واستفراشُها مساويًا لنكاح الأجنبية واستفراشها، وإنما فرَّق بينهما محضُ الأمر؟!

وكذلك من المحال أن يكون الدَّمُ والبولُ والرجيعُ مساويًا للخبز والماء والفاكهة ونحوها، وإنما الشارعُ فرَّق بينهما فأباح هذا وحرَّم هذا مع استواء الكلِّ في نفس الأمر!

وكذلك أخذُ المال بالبيع والهبة والوصية والميراث لا يكونُ مساويًا لأخذه بالقهر والغلبة والغصب والسَّرقة والخيانة (٢)، حتى يكون إباحةُ هذا وتحريمُ هذا راجعًا إلى محض الأمر والنهي المفرِّق بين المتماثلين!

وكذلك الظُّلمُ والكذبُ والزُّورُ والفواحشُ كالزِّنا واللواط وكشف العورة بين الملأ ونحو ذلك، كيف يسوِّغُ عقلُ عاقلٍ أنه لا فرق قطُّ في نفس


(١) انظر: «محاسن الشريعة» (٢٢).
(٢) (ق): «والجناية».