للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى: أن يَكُوْن الخبر محتملاً للتأويل، فعند ذَلِكَ لا يؤخذ بتأويل الصَّحَابِيِّ فمن دونه، ويبقى الخبر عَلَى ظاهره معمولاً بمنطوقه، إلاّ عِنْدَ قيام دلالة عَلَى وجوب صرفه إِلَى ما يؤوله الرَّاوِي.

الثانية: أن لا يحتمل الخبر تأويلاً، ولا يمكن أنْ يَكُوْن لفظ الْحَدِيْث تعبيراً من الصَّحَابِيِّ، فهذا الَّذِي يتوقف في قبوله والعمل بِهِ (١).

وجمهور الفقهاء والأصوليين عَلَى خلافه، إذ لا يلزم من مخالفة الصَّحَابِيِّ للحديث الَّذِي يرويه، أن يَكُوْن قَد اطَّلع عَلَى ناسخ لَهُ، أو بدا لَهُ وجه تأويله (٢)، ثُمَّ إنَّ المقتضي للحكم هُوَ ظاهر اللفظ في الخبر، وَهُوَ قائم، وما عارضه من فعل الرَّاوِي لا يصلح أن يَكُوْن معارضاً؛ وذلك لأنَّ احتمال تمسكه بِمَا ظنه دليلاً - مَعَ أنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ - قائم، وتَدَيّن الصَّحَابِيِّ وإحسان الظن بِهِ، يمنعه من تعمد الخطأ، أما السهو والغلط فممكن عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ ممكن عَلَى غيره (٣).

وقول الصَّحَابِيِّ - مهما كَانَتْ مكانته - لا يقاوم الوقوف بوجه النص، لا سيما إذا كَانَ النص لا يحتمل التأويل، وإنَّما يعدُّ هَذَا من اجتهادات ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ، والأمة ملزمة بالعمل بالنص، وغير ملزمة بالعمل باجتهادات الصَّحَابَة، قَالَ الشَّافِعِيُّ : «كيف أترك الْحَدِيْث بعمل من لَوْ عاصرته لحاججته» (٤).

ونقل السمرقندي عن أبي الحسن الكرخي قوله: «أنَّ قول النَّبيِّ حجة، وعمل الراوي بخلافه محتمل، فإنَّه يجوز أنْ يكون الحديث محتملاً للتأويل فيصرفه إلى أحد وجوه الاحتمال باجتهاده، واجتهاده ليس بحجة، ويحتمل أنَّه ظهر له انتساخه بعد روايته بدليل، فلا يجوز العدول عن الحجة


(١) انظر: " الفصول في الأصول " ٣/ ٢٠٣.
(٢) انظر: " أسباب اختلاف الفقهاء ": ٣٠٤.
(٣) " إحكام الفصول " للباجي ١/ ٣٥٢ فقرة (٣١٤)، و" المحصول " ٤/ ٤٤٠.
(٤) " تيسير التحرير " ٣/ ٧١، و" فواتح الرحموت " ٢/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>