للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذهب الرئيس الثاني: جواز الرِّوَايَة بالمعنى بشروط وضعها جمهور العلماء من الفقهاء والمحدّثين وأهل الأصول (١) والشروط هي:

أولاً: أن يكون عارفاً بدلالات الألفاظ واختلاف مواقعها، عالماً بما يحيل المعنى، فإن كان جاهلاً بمواقع الكلام امتنع بالإجماع.

ثانياً: أن تكون الترجمة مساوية للأصل في الجلاء والخفاء، فيبدل اللفظ بمثله في الاحتمال وعدمه، ولا يبدل العام بالخاص، ولا المطلق بالمقيد؛ لأنَّ الخطاب تارة يقع بالمحكم، وتارةً يقع بالمتشابه؛ لحكم وأسرار لا يعلمها إلا الله. ثالثاً: أن لا يكون من باب المتشابه، كأحاديث الصفات، أما هي فلا يجوز نقلها بالمعنى بالإجماع، حكاه إلكيا الهراسي وغيره.

رابعاً: أن لا يكون من جوامع الكلم، كقوله : «الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (٢) و «العَجْمَاءُ جُبَارٌ» (٣)؛ لأنَّه لا يمكن درك جميع معاني جوامع الكلم.

خامساً: أن لا يكون مما يتعبد بلفظه، فأما ما تعبدنا به، فلا بد من نقله باللفظ قطعاً، كألفاظ التشهد، ولا يجوز نقله بالمعنى بالاتفاق. نقله الغزالي، وأشار إليه ابن فورك (٤).

وهذا هُوَ القول الراجح - إن شاء الله - على أنَّ الذين جوزوا الرواية، لهم أحد عشر قولاً.

وبناءً عَلَى ذَلِكَ فإنَّ بَعْض الرُّوَاة قَدْ يسوّغ لنفسه رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى عَلَى وجه يظن أنَّهُ أدى المطلوب مِنْهُ. وَلَكِنْ بمقارنة روايات غَيْره يظهر قصوره


(١) انظر: " البحر المحيط " ٣/ ٤١٢ - ٤١٣، و" منهج النقد في علوم الْحَدِيْث ": ٢٢٧ - ٢٢٨، و" مناهج المحدّثين في رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى ": ٧٤ - ٧٦.
(٢) أخرجه: أبو داود (٣٥٠٨)، وابن ماجه (٢٢٤٣)، والترمذي (١٢٨٥)، والنسائي ٧/ ٢٥٤ من حديث عائشة.
(٣) أخرجه: البخاري ٩/ ١٥ (٦٩١٢)، ومسلم ٥/ ١٢٧ (١٧١٠) (٤٥) من حديث أبي هريرة.
(٤) انظر هذه الشروط في " البحر المحيط " ٣/ ٤١٢ - ٤١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>