للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحيان، و المرجوع إليه في مِثْل هذِهِ الأمور المُحَدِّثُوْنَ لا غيرهم، فَقَدْ كَانَ المُحَدِّثُوْنَ يحكمون عَلَى كُلّ رِوَايَة بما يناسبها، وهم المعوّل عَلَيْهِمْ في مَعْرِفَة أحكام زيادة الثِّقَة، فيجب الرجوع إليهم وحدهم لكونها من تخصصاتهم النقدية، وليست من تخصصات غيرهم.

قال البقاعي: «لا نجد أحداً من أهل الفن إلا وقد قَبِلَ زيادة الثقات، ولو في مكان من الأماكن، فهم مُجمعون بهذا الاعتبار بالفعل، ولكنَّهم مختلفون في التفاصيل، فتجد هذا يقبل في مكان ولا يقبل فيه الآخر، ويقبل في آخر غيره، ومن تأمّل تصرفهم حق التأمل علم أنَّهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي، ولكنَّهم دائرون في أفرادها مع القرائن، فتارة يرجّحون الوصل، وتارة الإرسال، وتارة رواية من زاد، وتارة رواية من نقص، ونحو ذلك، وهذا هو المعتمد، وهو فعل جهابذة النقد وأعلامهم» (١).

ونَظَرُ المُحَدِّثِيْنَ يختلف في الحكم عَلَى الأحاديث؛ إِذْ إن زيادة الثِّقَة عندهم مِنْهَا ما هُوَ مقبول، ومنها مَا هُوَ مردود تبعاً للقرائن المحيطة بِهَا، والقرائن هِيَ الَّتِي تجعل الحكم مختلفاً من حَدِيْث لآخر، فمن القرائن مَا يدل عَلَى أنَّ الزيادة تَكُون أحياناً مدرجة في الحَدِيْث، أو أَنَّهَا من قَوْل أحد رُوَاة الإسناد أو من حَدِيث آخر. قَالَ الحَافِظ ابن حجر: «مَا تفرد بَعْض الرُّوَاة بزيادة فِيهِ دُوْنَ من هُوَ أكثر عدداً أو أضبط مِمَّنْ لَمْ يذكرها، فهذا لا يؤثر التعليل بِهِ، إلا إنْ كَانَتْ الزيادة منافية بِحَيْثُ يتعذر الجمع. أما إنْ كَانَتِ الزيادة لا منافاة فِيْهَا بِحَيْثُ تَكُون كالحديث المستقل فَلَا، اللَّهُمَّ إلا إنْ وضح بالدلائل القوية أنَّ تِلْكَ الزيادة مدرجة في المَتْن من كلام بَعْض رواته، فما كَانَ من هَذَا القِسْم فَهُوَ مؤثر» (٢).

وربما تَكُون الزيادة غَيْر صَحِيْحَة لأمر آخر، لا يفصح عَنْهُ المحدّث كَمَا


(١) " النكت الوفية " ١/ ٤٨٦ - ٤٨٧ بتحقيقي.
(٢) " هدي الساري ": ٥٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>