للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسناد لو كان على جادته لكان أسهل حفظاً على الراوي (١)،

ولكن هذه القرينة إنما تقبل من الراوي الموصوف بالحفظ، المشهور بالرواية، المقبول منه تعدد الأسانيد، ومن لوازم كثرة المرويات الإغراب، وتفرد الراوي بما ليس عند غيره، ووجه هذا القيد حتى لا يعمد راوٍ من الهلكى إلى إسناد ما، فيتلاعب به ثم يخرجه إسناداً غريباً، فيطمع به من ليس له باع في هذا الفن، فيرويه على ذلك الوجه وهو لا يعلم، ومن شواهد ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر إذ قال: «فممن كان يفعل ذلك عمداً لقصد الإغراب على سبيل الكذب: حماد بن عمرو النصيبي، وهو من المذكورين بالوضع، من ذلك روايته عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : «إذا لقيتم المشركينَ في طريقٍ فلا تبدوؤهم بالسلامِ .. » الحديث، فإن هذا الحديث قال العقيلي: لا يعرف من حديث الأعمش، وإنما يعرف من رواية سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة » (٢).

١٢ - رواية الراوي عن أهل بلده: كثير من الرواة يكونون ثقاتٍ قليلي


(١) وقد نص على هذه القرينة وأعملها مبيناً سبب الترجيح بها الحافظ أبو حاتم الرازي، فقد قال ابنه في " العلل " (٤٨٨): «وسألت أبي عن حديث رواه النعمانُ بن المنذر، عن مكحول، عن عنبسة، عن أُم حبيبة، عن النَّبيِّ قال: «مَنْ حَافَظَ على ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً في يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ، بُنيَ لَهُ بَيْتٌ في الجنَّةِ»، فقال أبي: لهذا الحديث علةٌ، رواه ابنُ لهيعةَ، عن سُليمان بن موسى، عن مكحول، عن مولى لعنبسة بن أبي سفيان، عن عنبسة، عن أمِّ حبيبة، عن النَّبيِّ . قال أبي: هذا دليل أنَّ مكحول لم يلق عنبسة، وقد أفسده روايةُ ابن لهيعة، قلت لأبي: لِمَ حكمتَ برواية ابن لهيعة وقد عرفت ابن لهيعة وكثرة أوهامه؟ قال أبي: في رواية ابن لهيعة زيادةُ رجل، ولو كان نقصان رجلٍ كان أسهل على ابن لهيعة حفظه». وقد يقال: إنَّ ابن لهيعة ضعيف، وأنت ذكرت أنَّه إنَّما يحكم بهذه القرينة للثقات، قلتُ: هو كذلك، وأما حكم أبي حاتم لابن لهيعة فذاك لأنَّ أبا حاتم من كبار الحفاظ المتقدمين الذين عاينوا الأصول، وخبروا الرواة، وميزوا صحيح حديث الراوي الضعيف، وخطأ الراوي الثقة. والحاصل أنَّ كل ما كان في الرواية مما يحتاج إلى مزيد حفظ يُعد قرينة تنفع في الترجيح عند الاختلاف.

تنبيه: وقع في النقل السابق عن أبي حاتم: «أن مكحول»، وهي خلاف الجادة، فانظر لتوجيهها - نحوياً - تعليق ط. سعد الحميد من " العلل ".
(٢) " نكت ابن حجر " ٢/ ٨٦٤ - ٨٦٥ و:٦١٧ - ٦١٨ بتحقيقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>