للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطأ إذا رووا عن أهل بلدهم، ويكونون على النقيض من ذلك في حال الرواية عن غيرهم كإسماعيل بن عياش، قال عنه ابن رجب: «لا يضبط حديث الحجازيين، فحديثه عنهم فيه ضعف» (١)، وقد يعود السبب في ذلك إلى أنَّ الراوي إذا حدّث عن أهل بلده، فإنَّ كتبه تكون قريبة منه، والشيوخ الذين حدّث عنهم بين ظهرانيه، فإذا ما وقع لبس ما، فإنَّ الراوي يسرع إلى كتبه أو شيوخه لدفع ما وقع من التباس، وقد وُصف جمهرة من الرواة بأنهم ثقات إذا حدّثوا عن أهل بلدهم، ضعاف إذا حدثوا عن غيرهم، لذلك فإنَّ معرفة بلد الراوي من قرائن الترجيح بين الروايات المختلفة من جهة، ومعرفة قوة روايته وضعفها من جهة أخرى، وممن وصف بهذا الوصف إسماعيل بن عيّاش - كما سبق - وبقية بن الوليد وغيرهما.

وعلى العكس مما ذكر، يدخل في هذه القرينة رواية الراوي في غير بلده (٢)، إذ إنَّ المعتاد لمّا يحدّث في بلده يكون بين شيوخه وكتبه؛ فيكون ذلك أقرب إلى الصواب، وقد يسافر الراوي فيكون بعيداً عن كتبه أو بعيداً عن تعاهد محفوظه ومذاكرته، فيحدّث من حفظه فيقع في الغلط كما حصل لمعمر بن راشد، قال ابن رجب: «معمر بن راشد حديثه بالبصرة فيه اضطراب كثير، وحديثه باليمن جيد. قال أحمد في رواية الأثرم: حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إليَّ من حديث هؤلاء البصريين، كان يتعاهد كتبه وينظر - يعني: في اليمن - وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة. وقال يعقوب بن شيبة: سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب؛ لأنَّ كتبه لم تكن معه» (٣).

١٣ - أنْ تكون رواية الراوي عاضدة لعمله: من ذلك ما نقله ابن أبي


(١) " فتح الباري " ٥/ ٣٠٦.
(٢) نعم، إنَّ أهل البلد أعلم بحديث شيوخهم، كما أنَّهم أعلم بفتواهم، فإذا اختلف على مالك رجحتْ رواية المدنيين، وإذا اختلف على قتادة رجحت رواية البصريين منهم، وإذا اختلف على الأعمش أو أبي إسحاق السبيعي رجحت رواية الكوفيين منهم، وهذا في الأعم الأغلب، إذ قد تأتي قرينة أقوى من ذلك، انظر: " قواعد العلل وقرائن الترجيح ": ٨٣ للدكتور عادل
عبد الشكور.
(٣) " شرح علل الترمذي " ٢/ ٦٠٢ ط. عتر و ٢/ ٧٦٧ ط. همام.

<<  <  ج: ص:  >  >>