للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - مخالفة الراوي لما يرويه: قال ابن رجب: «قاعدة في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه، قد ضعّف (١) الإمام أحمد وأكثر الحفاظ أحاديث كثيرة بمثل هذا» (٢) وقال المناوي: «وقيل: إنَّ مخالفة الراوي بمنع وجوب العمل؛ لأنَّه إنَّما خالفه لدليل .. » (٣) يعني: لدليل عند الراوي منعه من العمل بموجب ما روى، وهذه القرينة استعملها النقاد للكشف عن بواطن علل راجت على غيرهم، وأما غير المحدّثين فلم يلتفتوا لمثل هذا الأمر، وقد بين المناوي سبيل قبول أحاديث كذا حالها فانظره تجد كبير فائدة.

وخلاصة الأمر: إنَّ موضوع كتابنا هذا هو العلل الخفية، وعلم العلل هو العلم الذي يبحث في أخطاء الثقات. ومعرفة الخطأ في أحاديث الثقات ليس بالأمر الهين، وقد ينقدح للناقد علة في الحديث، ويكون ظاهر الإسناد الصحة، ثم يعمِّق الناقد البحث ليبحث عما يقوي ظنَّه بوجود تلك العلة فيتطلع على ما يحف بالرواية، ومن ذلك أنْ ينظر الناقد إلى من دار عليهم الإسناد - أقصد المدار (٤) ومن فوقه من الرواة - للبحث هل لهم أو لأحدهم رأي فقهي يخالف هذه الرواية، فإذا وجد ذلك دل على عدم صحة هذا الحديث من طريقهم؛ لأنَّ صحة الحديث عندهم موجب للعمل به مالم يكن منسوخاً أو مخصصاً أو مقيداً، وستأتي لذلك أمثلة عدة إن شاء الله (٥).


(١) ط. همام: «ضعفه» والمثبت من ط. عتر.
(٢) " شرح العلل " ٢/ ٧٩٦ ط. عتر و ٢/ ٨٨٨ ط. همام.
(٣) " فيض القدير " ٤/ ٣٦٠.
(٤) مدار إسناد الحديث: هو الراوي الذي تلتقي أسانيد ذلك الحديث عليه مهما تعددت عنه، فيتفرد بذلك الحديث مطلقاً، ثم يرويه عنه اثنان فأكثر.
(٥) ومن ذلك نعلم جميعاً أنَّ نقد المحدّثين للحديث لم يكن قاصراً على الإسناد فحسب، ولا على المتن فقط، ولم يكن ذلك قاصراً على الإسناد والمتن فقط، بل إنَّ نقدهم نقد شامل ويدخل في ذلك نظرهم إلى فقه الراوي وميوله العقدية، وأنا إذ أذكر ذلك فهو ليس من التهويل، بل هو من التأصيل العلمي لأهل النقد من أئمة هذا الدين الذين كانت لهم الأيادي البيضاء في تنقية السنة مما شابها.

<<  <  ج: ص:  >  >>