للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعلة إذن هي معرفة الخطأ في أحاديث الثقات، ثم إنَّ إطباق أربعة من أئمة الحديث على خطأ جرير، لم يكن أمرًا اعتباطيًا، وإنَّما قالوا هذا بعد النظر الثاقب والتفتيش والموازنة والمقارنة. أما إقامة الدليل على كل حكم في إعلال الأحاديث، فهذا ربما لا يستطيع الجهبذ الناقد أنْ يعبر عنه، إنَّما هو شيء ينقدح في نفسه تعجز عبارته عنه (١) على أنَّ إقامة الدليل على خطأ جرير قد تم، وليعلم أنَّ الرواة ليسوا قوالب بحيث يكون كل ما رواه الثقة صحيحًا، ولا كل ما رواه الصدوق حسنًا، ولا كل ما رواه الضعيف ضعيفًا، وهذه أمور تدرك بالمباشرة.

ثم إنَّ التفرد ليس علة كما سبق أنْ فصلنا القول فيه في مبحث التفرد، وإنَّما هو مُلقٍ لِلضوءِ على العِلّة ومواقع الخلل وكوامن الخطأ، ثم إنا وجدنا الدليل على خطأ جرير بن حازم، إذ قَدْ خالفه الإمام الثقة الثبت حماد بن زيد (٢)، فرواه عن يحيى بن سعيد ولم يذكر عمرة (٣).

وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه الطبراني (٤) من طريق يعقوب بن مُحَمَّد الزهري، قال: حدّثنا هشام بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الرحمان، عن الحارِث بن هشام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

قال الطبراني عقب روايته له: "لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا هشام بن عكرمة، تفرد به يعقوب بن مُحَمَّد الزهري".

قلت: هذه الرواية ضعيفة لا تصلح للمتابعة، إذ فيها علتان:

الأولى: يعقوب بن مُحَمَّد الزهري، فيه كلام ليس باليسير، فقد قال فيه الإمام أحمد: "ليس بشيء"، وَقَالَ مرة: "لا يساوي حديثه شيئًا"،


(١) انظر: " معرفة علوم الحديث ": ١١٢ - ١١٣ ط. العلمية و (٢٧١) ط. ابن حزم.
(٢) هو حماد بن زيد بن درهم الأزدي، الجهضمي، أبو إسماعيل البصري، (ثقةٌ، ثبت، فقيه).
"التقريب " (١٤٩٩).
(٣) عند الطحاوي في " شرح المعاني " ٢/ ١٠٩ وفي ط. العلمية (٣٤١١)، والبيهقي ٤/ ٢٨١.
(٤) في "الأوسط " (٧٣٩٢) كلتا الطبعتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>