للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المعنى مقتبس من عبارات المتقدمين. وأسند الخطيب البغدادي إلى سفيان الثوري قال: «الإسناد سلاح المؤمن، إذا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سلاح فبأيِّ شيءٍ يقاتل؟» (١).

وهذا أمير المؤمنين في الحَدِيْث شعبة بن الحجاج (٢) يقول: «إنَّما يعلم صحة الحَدِيْث بصحة الإسناد» (٣).

وَقَالَ عَبْد الله بن المبارك: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء» (٤)، وقال أيضاً: «مثل الذي يطلب أمرَ دينه بلا اسنادٍ كمثل الذي يرتقي السطحَ بلا سُلَّمٍ» (٥)، وقال الشافعي : «الذي يطلب العلم بلا سند كحاطب ليل يحمل حزمة حطب، وفيه أفعى، وهو لا يدري» (٦).

وعلى هَذَا فالإسناد لابد مِنْهُ؛ من أجل أنْ لا ينضاف إلى النَّبِيِّ ما ليس من قوله أو فعله. وهنا جعل الْمُحَدِّثُوْنَ الإسناد أصلاً لقبول الْحَدِيْث؛ فلا يقبل الْحَدِيْث إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ إسناد نظيف، أو له أسانيد يتحصل من مجموعها الاطمئنان إلى أنّ هَذَا الْحَدِيْث قَدْ صدر عمن ينسب إِلَيْهِ، فهو أعظم وسيلة استعملها الْمُحَدِّثُوْنَ من لدن الصَّحَابَة إلى عهد التدوين كي ينفوا الخبث عن حَدِيْث النَّبِيّ ، ويبعدوا عَنْهُ ما ليس مِنْهُ.

وَقَدْ اهتم الْمُحَدِّثُوْنَ بجمع أسانيد الْحَدِيْث الواحد؛ لما لِذَلِكَ من أهمية كبيرة في ميزان النقد الحديثي، فجمع الطرق كفيل ببيان الخطأ، إذا صدر عن بعض الرُّوَاة، وبذلك يتميز الإسناد الجيد من الرديء، قَالَ علي بن المديني:


(١) " شرف أصحاب الْحَدِيْث " (٨١).
(٢) هُوَ شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، مولاهم، أبو بسطام الواسطي، ثُمَّ البصري: ثقة حافظ متقن، كَانَ الثوري يقول: هُوَ أمير المؤمنين في الحَدِيْث، وَهُوَ أول من فتش بالعراق عن الرجال، وذب عن السنة، وَكَانَ عابداً، مات سنة (١٦٠ هـ).
انظر: " تهذيب الأسماء واللغات " ١/ ٢٤٤ - ٢٤٦، و" سير أعلام النبلاء " ٧/ ٢٢ و ٢٢٧، و " التقريب " (٢٧٩٠).
(٣) " التمهيد " ١/ ٥٧.
(٤) مقدمة صَحِيْح مُسْلِم ١/ ١٢، و" شرف أصحاب الحَدِيْث " (٧٨)، و" الإلماع ": ١٩٤.
(٥) " شرف أصحاب الحديث " (٧٩).
(٦) " فيض القدير " ١/ ٥٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>