أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء؛ إنَّ الله على كل شيءٍ قدير، أحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، الحمد لله الذي يسر لي إتمام كتاب "الجامع في العلل والفوائد" على الوجه اللائق الذي جهدت فيه كلَّ جهدي؛ لأجل أنْ يكون بالشكل الذي يرضي كل محبٍّ للسنة، الحمد لله الذي وفقني لهذا العمل ويسر لي أموره وسبله حتى خرج بهذه الحلة، الحمد لله الذي قدر لي فهداني إلى علم الأثر، ويسر لي خدمة سنة سيد البشر في تخصصٍ دقيقٍ من أدق علوم السنة. نِعمُ الله عليَّ كثيرةٌ لا تعد ولا تحصى وعطاياه لي عميمةٌ وفيرةٌ؛ فأسألُ الله أنْ يديم عليَّ النعمة، وييسر لي شكرَها وأنْ يجعلني مباركاً أينما كنت، وأنْ يجعلني هادياً مهدياً خادماً لكتاب الله ناشراً لسنة نبيه.
إنَّ الله خلق الإنسان من عدم وأمده من عُدْم قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)(النساء:)(وقد علم الله الإنسان قال تعالى:) وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا) (البقرة: ٣١) وأسبغ عليه النعم العظيمة قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)(لقمان: ٢٠).
فالإنسان يجب عليه أنْ ينظر إلى نعمة الله منذ أنْ كان لا شيء، ثم خلقه الله تعالى قال جل ذكره وتقدست أسماؤه:(هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا)(الإنسان: ١).
ولْيتذكرْ الإنسان نعمة الله منذ أنْ كان علقة قال تعالى:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَق)(العلق: ١ - ٢).
ومن يقرأ القرآن بتدبرٍ ويتتبع النصوص القرآنية حول مراحل خلق الإنسان يجد أنَّ خلق الإنسان مر بمراحلَ مرحلة خلقه من تراب ومرحلة خلقه من طين لازب ومرحلة خلقه من صلصال من حمأٍ مسنون، ومرحلة خلقه من صلصال كالفخار، ومرحلة اشتقاقه من نفسٍ واحدة هي نفس آدم، ومرحلة خلقه من ماء مهين في النطفة، ومرحلة خلقه من علقة، ثم من مضغة مخلقة