للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغير مخلقة، مع تتابع أطوار خلقه في بطن أمه خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث (١).

وكان من نعم الله على البشرية أنْ أرسل الله لهم الرسل مبشرين ومنذرين لحاجة الناس إلى الرسالات فالنفوس الأرضية تربة، من شأنها أنْ تنبت الأخلاق الذميمة ما لم تُسقَ بماء الإيمان الطاهر، وتشرق عليه شمس العلم الديني الصحيح وتهب عليها رياح التذكير؛ فأيُّ أرض أمحلت من ذلك الماء، وحجب عنها شعاع تلك الشمس، وسدت عنها طرق تلك الرياح، كان نباتها كما قالت الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) (البقرة: ٣٠) (٢).

وقد ختم الله رسالات الأنبياء بأعظم نبيٍّ وأعظم رسول وشريعته هي التي تصلح لكل زمان، وهذه الشريعة لها رافدان عظيمان: الرافد الأول: كتاب الله العظيم القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد، وهو أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم، والرافد الثاني: السنة النبوية التي تتضمن أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته صلوات ربي وسلامه عليه. والمستدّلُ بالقرآن لا يحتاج إلى بحث فالقرآن منقولٌ إلينا بالتواتر بالصدور والسطور، وقد تكفل الله بحفظه قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون) (الحجر: ٩). أما السنة النبوية فلم تنقل إلينا كما نقل القرآن لكنَّ الله حفظها بنقد العلماء الفهماء النجباء الذين نقوا السنة مما شابها من أعداء الدين وغلط الغالطين وعبث العابثين، ولما كان الله قيظ لهذه السنة من يقوم بحفظها ورعايتها وتنقيتها منذ الصدر الأول وحتى يومِ الناس هذا، وإلى أن يبعث الناس فيوجد في كل زمان ومكان من ينفي عن السنة تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وزيف الزائفين،


(١) معارج التفكر ودقائق التدبر ١/ ٤٨.
(٢) النص من عبارة: «النفوس الأرضية ..... » إلى هنا من كلام العلامة الناقد الجهبذ عبد الرحمان ابن يحيى المعلمي اليماني - يرحمه الله - في كتابه " كيف تبحث في أصول الرواة ": ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>