للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكانت نعمة من أعظم النعم على هذه الأمة المرحومة أن حفظ الله لها دينها؛ لذلك فنحن حينما نقرأ تاريخ النقد عند علماء المسلمين نجد أن العلم بإعلال الحديث وظهور النقد قد بدأت بواكيره على يدي كبار الصحابة فالتابعين فأتباع التابعين وهلم جرا حتى يومنا هذا، وهذه الأمة مولاد ستلد في كل زمان جهابذة يقومون بهذا النقد يعلمون الناس الوحي والسنة كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: ٢٩) المتأمل في تاريخ النقد يدرك صعوبة الفن وعزة أهله قال الحافظ ابن حجر: «وهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، ولا يقوم به إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفة تامة بمراتب الرواة وملكة قوية بالأسانيد والمتون؛ ولهذا لم يتكلم فيه إلا قليل من أهل هذا الشأن، كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني» (١).

وهذا النص من أظهر النصوص على صعوبة النقد تصحيحاً وتضعيفاً وتقوية وإعلالاً. ولما كان الأمر على ما ذكرت والحال كما وصفت فقد قدّم المحدثون في كل زمان ببذل أقصى ما يستطيعه البشر من أجل تنقية السنة من الكذب والخطأ، وجاءوا بأشياء أذهلوا فيها العدو قبل الصديق.

وكتابي هذا " الجامع في العلل والفوائد " (٢) تخصصٌ في تخصصٍ دقيق فهو يبحث في علم الحديث روايةً ودرايةً ثم في ذلك العلم يبحث في أغمض قضاياه، قال البيهقي: «وهذا النوع من معرفة صحيح الحديث من سقيمه لا يعرف بعدالة الرواة وجرحهم، وإنما يعرف بكثرة السماع، ومجالسة أهل العلم بالحديث، ومذاكرتهم والنظر في كتبهم، والوقوف على رواياتهم، حتى إذا شذ منها حديث عرفه» (٣). وقبل هذا كله فإنَّ هذا العلم من علوم الآخرة؛ لا يصح العمل به إلا بعد النية الصادقة والمراقبة التامة.


(١) نزهة النظر: ٧٢.
(٢) شرح عنوان الكتاب يؤخذ من المميزات كما سيأتي غير بعيد.
(٣) معرفة السنن و الآثار ١/ ١٤٤ (١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>