للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليقين، مثل أنْ يراه في مسموعاته أو مكتوباته، فيرتفع شكه، فلا يبالي ما تقدم من تشككه. ومع هذا فلا ينبغي للمحدّث أنْ يترك مثل هذا في نقله، فإنَّه إذا فعل فقد أراد منا قبول رأيه في روايته.

وهذا كله إنَّما يكون إذا سلم أنَّ الدراورديَّ وعبد الواحد الرافعين له، سمعاه منه غير مشكوك فيه، فإنَّه من المحتمل أنْ لا يكون الأمر كذلك بأنْ يسمعاه مشكوكاً فيه كما سمعه حماد، ولكنهما حدثا به، ولم يذكرا ذلك اكتفاء بحسبانه، وعلى هذا تكون علة الخبر أبين، فاعلم ذلك» انتهى كلام ابن القطان.

قلت: وكلام ابن القطّان هذا يصح إذا كانت رواية حماد كلها بالشك، أما إذا علمنا أنَّ الحديث أخرجه: أحمد ٣/ ٨٣، وابن ماجه (٧٤٥)، وأبو يعلى (١٣٥٠)، والبيهقي ٢/ ٤٣٤ - ٤٣٥ من طريق يزيد بن هارون، ورواه ابن حزم في " المحلى " ٤/ ٢١ من طريق الحجاج بن منهال.

كلاهما: (يزيد، والحجاج) عن حماد بن سلمة به متصلاً مرفوعاً بدون شك، علمنا أنَّه لا يروى عن حماد بالشك إلا في رواية أبي داود من طريق موسى بن إسماعيل ولم يتابع موسى بن إسماعيل على روايته عن حماد بالشك.

إلا أنَّ بعض العلماء صححوا الرواية الموصولة.

قال الرافعي في " شرح المسند " فيما نقله ابن الملقن في " البدر المنير " ٤/ ١٢٥: «هذا الحديث بَيّن الشافعي أنَّه روي مرة منقطعاً، ومرة موصولاً، ولا يضر الانقطاع إذا ثبت الوصل في بعض الروايات» (١).

وقال ابن المنذر في " الأوسط " عقب (٧٥٨): «إذا روى الحديث ثقة أو ثقات مرفوعاً متصلاً، وأرسله بعضهم يثبت الحديث برواية من روى موصولاً عن النَّبيِّ ، ولم يوهن الحديث تخلّف من تخلّف عن إيصاله» (٢).


(١) ولا بد من التنبيه على أنَّ هذا الكلام ليس على إطلاقه.
(٢) حينما نقلت قول ابن المنذر هنا ليس لأني أوافقه فيما ذهب إليه من أنَّ الحديث إذا اختلف في وصله وإرساله يرجح الوصل، لكن أردت بيان رأي ابن المنذر في هذا الحديث. أما من حيث المسألة فالترجيح في مثل هذا لا يندرج تحت قاعدة كلية، إذ يختلف الحال بحسب المرجحات والقرائن، فتارة ترجح الرواية المرسلة وتارة ترجح الرواية الموصولة. وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية، وأكثر التصحيح والإعلال، وحفظ جملة كثيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرجال وعرف دقائق هذا الفن وخفاياه حتّى صار الحديث أمراً ملازماً له مختلطاً بدمه ولحمه.
ومن المرجحات: مزيد الحفظ، وكثرة العدد، وطول الملازمة للشيخ.
وقد يختلف جهابذة الحديث في الحكم على حديث من الأحاديث، فمنهم من يرجح الرواية المرسلة، ومنهم من يرجح الرواية الموصولة، ومنهم من يتوقف.

<<  <  ج: ص:  >  >>