للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحريف: هُوَ العدول بالشيء عن جهته، وحرَّف الكلام تحريفاً عدل بِهِ عن جهته، وَقَدْ يَكُوْن بالزيادة فِيْهِ، أو النقص مِنْهُ، وَقَدْ يَكُوْن بتبديل بعض كلماته، وَقَدْ يَكُوْن بجعله عَلَى غَيْر المراد مِنْهُ؛ فالتحريف أعم من التصحيف (١).

ولابد من الإشارة إلى أنَّ المتقدمين كانوا يطلقون المصحّف والمحرّف جميعاً عَلَى شيء واحد، ولكن الحافظ ابن حجر جعلهما شيئين وخالف بينهما، فَقَدْ قَالَ: «إنْ كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإنْ كَانَ ذَلِكَ بالنسبة إلى النقط فالمصحّف، وإنْ كَانَ بالنسبة إلى الشكل فالمحرّف» (٢).

وعلى هَذَا فالتصحيف هُوَ الَّذِيْ يَكُوْن في النقط؛ أي في الحروف المتشابهة الَّتِيْ تختلف في قراءتها مثل: الباء والتاء والثاء، والجيم والحاء المهملة والخاء المعجمة، والدال المهملة والذال المعجمة، والراء والزاي.

ومعرفة هَذَا الفن من فنون علم الْحَدِيْث لَهُ أهمية كبيرة فقد صنّف فيه العلماء كتباً كثيرة (٣)؛ وذلك لما فِيْهِ من تنقية الأحاديث النبوية مِمَّا شابها في بعض الألفاظ سواء أكَانَ في متونها أم في رجال أسانيدها.

وعندما كثر التصحيف والتحريف بَيْنَ الناس، طفق الحفاظ من أهل الْحَدِيْث بتصنيف كتب: (التصحيف والتحريف) وكتب: (المؤتلف والمختلف) (٤)، وهذا الفن فنٌ جليل؛ لما يحتاج إِلَيْهِ من الدقة والفهم


(١) انظر: " توجيه النظر " ٢/ ٨٠٧.
(٢) " نُزهة النظر ": ٧٧، وانظر: " تدريب الرَّاوِي " ٢/ ١٩٥، و" ألفية السيوطي ": ٢٠٣،
و" توضيح الأفكار " ٢/ ٤١٩ مع حاشية محمد محيي الدين عَبْد الحميد.
وَقَالَ الدكتور موفق بن عَبْد الله في كتابه " توثيق النصوص ": ١٦٦: «وسبق الحافظ ابن حجر في هَذَا التفريق الإمام العسكري في كتابه " شرح ما يقع فِيْهِ التصحيف والتحريف "».
(٣) وَقَدْ ساق هَذِهِ الكتب ورتبها صديقنا الدكتور موفق بن عَبْد الله في كتابه " توثيق النصوص ": ١٧٤ - ١٧٨.
(٤) الْمُؤْتَلِف لغة: اسم فاعل من الائتلاف بمعنى الاجتماع والتلاقي، وَهُوَ ضد النفرة، قَالَ ابن فارس: «الهمزة واللام والفاء أصل واحد يدل عَلَى انضمام الشيء إلى الشيء، والأشياء الكثيرة أَيْضاً». " مقاييس اللغة " مادة (ألف)، وانظر: شرح علي القاري عَلَى " نزهة النظر "
: ٢٢٤، و" تيسير مصطلح الْحَدِيْث ": ٢٠٨.
والمختلف لغة: اسم فاعل من الاختلاف، وَهُوَ ضد الاتفاق، يقال: تخالف الأمران واختلفا إذا لَمْ يتفقا. وكل ما لَمْ يتساوَ فَقَدْ تخالف واختلف. انظر: " لسان العرب " مادة (خلف)، وشرح علي القاري عَلَى " نزهة النظر ": ٢٢٤، و" تيسير مصطلح الْحَدِيْث ": ٢٠٨.
والمؤتلف والمختلف في اصطلاح الْمُحَدِّثِيْنَ: هُوَ ما يتفق في الخط دون اللفظ. " فتح المغيث " ٣/ ١٨٢ ط. العلمية و ٤/ ٢٢٢ ط. الخضير.
وَهُوَ فن مهم للغاية، وفيه مؤلفات سردها الدكتور موفق في كتابه " توثيق النصوص ": ١٨٣ - ١٩٤ فبلغ بِهَا ستين.

<<  <  ج: ص:  >  >>