للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحديث، بل قد ردوا عليه وشنعوا الكلام على من قال به. قال الدكتور حمزة المليباري: «والحق الذي أميل إليه أنَّ الإمام أحمد ويحيى والبرديجي لا يستنكرون الحديث بمجرد تفرد ثقة من الثقات، وإنَّما يستنكرونه إذا لم يعرف من مصادر أخرى، إما برواية ما يشهد له من معنى الحديث أو بالعمل بمقتضاه … أما إطلاق المنكر على ما تفرد به ثقة عن ثقة فلا أظن أنَّه قد وقع في كلامهم، إن كان بعض ما نقل عنهم يوهم خلاف ذلك، فإنَّه ينبغي حمله على أنَّ ذلك في حدود معرفتهم؛ لتفادي التناقض بين التصريح والعمل» (١)، والحين الآخر أن تكون الرواية خطأ أو وهماً، وهذا موجود في كلام الإمام أحمد كما مر.

وقد استشكل بعضهم المراد من كلام الإمام أحمد: «الحديث عن الضعفاء قد يحتاج إليه في وقت، والمنكر أبداً منكر» (٢)، وبين ما يفهم من كلامه في إطلاق النكارة على التفرد، فقال: كيف أنَّ المنكر مطّرح لا يحتاج إليه، وفي نفس الوقت هو الحديث الفرد، والحق أنَّ الإمام أحمد إنَّما يقصد بـ (المنكر أبداً منكر): أن يكون الحديث الفرد قد وقع فيه خطأ، و الخطأ لا يتقوى بغيره، على العكس من رواية الضعيف السيئ الحفظ الذي نخشى أنَّه لم يضبط الحديث، فعند متابعة غيره له زال ما كنَّا نخشاه من عدم ضبطه للحديث، أما أن يكون أصل الحديث خطأ، فهذا لا تنفعه المتابعات ولا الشواهد. فإطلاق النكارة إنَّما يكون لقرائن أخرى كأنْ يكون الإغراب عن شيخ حافظ واسع الرواية ممن تدور عليه الأسانيد وله تلاميذ كثر، أو الإغراب بمتن لا يعرف إلا من طريقه، أو غيرها من الأسباب الخفية التي تجعل الإمام أحمد وغيره من الأئمة يحكمون على الرواية بالنكارة والرد.

قال البرديجي: «إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من أصحاب النَّبيِّ حديثاً لا يصاب إلا عند الرجل الواحد، لم يضره أنْ لا يرويه غيره،


(١) " الحديث المعلول ": ٧٥.
(٢) " العلل ومعرفة الرجال " (٢٨٧) برواية المروذي.

<<  <  ج: ص:  >  >>