للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنا إشكال في فهم المراد من كلام الأئمة المتقدمين في إطلاقهم النكارة على مجرد تفرد الثقة. فقال بعضهم: ليس مرادهم مطلق التفرد، وإنَّما لقرائن أخرى حفت الراوية سواء كان الخطأ أو الوهم من الراوي، أو أن يكون متن الحديث لم يعرف من وجه آخر، وغيرها من القرائن التي جعلت الحفاظ يحكمون على الحديث بأنَّه منكر، وقال بعضهم: بل أرادوا من ذلك مطلق التفرد، والحق أنَّهم أحياناً يريدون به التفرد مع غرابة المتن أو الخطأ. قال الحافظ ابن حجر: «المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له» (١)، وفصل في موضع آخر فقال: «وهذا مما ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي، وغير واحد من النقاد لفظ (المنكر) على مجرد التفرد، لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم على حديثه بالصحة بغير عاضد يعضده» (٢)، وقال ابن كثير: «وأما إن كان الذي تفرد به عدلٌ ضابطٌ حافظٌ قبل منه شرعاً، ولا يقال له: منكر، وإن قيل له ذلك لغة» (٣)، إلا أنَّه يجب التنبه على مسألة مهمة وهي: حالة التفرد، وطبقات التفرد، فلا شك أنَّ هناك فرقاً بين التفرد في طبقات الصحابة أو التابعين، وبين تفرد غيرهم من الطبقات المتأخرة، وكذا الحال بالنسبة لتفرد الثقات الأثبات فتفردهم مقبول، أي مع السلامة من العلل الأخرى، والذي دعاني لمثل هذا القول حتى لا يكون هناك تعارض بين الأقوال، فردّ حديث الثقة الفرد مطلقاً مع السلامة من أي علة سواءً كانت في المتن أم في الإسناد منهج لم نعرفه في أقوال المتقدمين ولا في أحكامهم، زد على ذلك أنَّ شروط الحديث الصحيح معروفة ومنثورة في الكتب، فلم نجد أحداً من الأئمة السابقين أو اللاحقين قد اشترط لصحة الحديث أن ينقل من راويين فأكثر، وإلا سيضطرنا مثل هذا الرأي أن نقول بقول بعض المبتدعة من المعتزلة وغيرهم، الذين اشترطوا العدد في ثبوت الحديث، وهذا ما لم يقل به أحد من أهل العلم


(١) " هدي الساري ?: ٦١٦.
(٢) " نكته " ٢/ ٦٧٤ و: ٤٥١ بتحقيقي.
(٣) " اختصار علوم الحديث ": ١٤٢ بتحقيقي ..

<<  <  ج: ص:  >  >>