للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصة من وضع الزنادقة»، وقال ابن كثير في " تفسيره ": ١٢٨٢: «ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم».

فالكل يؤكد عدم صحة هذه القصة، إلا أنَّ الحافظ ابن حجر قال في "الفتح " عقيب ٨/ ٥٥٨ (٤٧٤٠): «ومعناهم كلهم في ذلك واحد، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع. لكن كثرة الطرق تدل على أنَّ للقصة أصلاً». وقال: «وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإنَّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أنَّ لها أصلاً».

وقد تعقّبه العلاّمة الكبير أحمد محمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي ٢/ ٤٦٥ بقوله: «وقد أخطأ في ذلك خطأ لا نرضاه له، ولكل عالم زلة عفا الله عنه».

زيادة على ما ذكر فمن العلماء الذين حكموا على هذه القصة المكذوبة بالوضع: ابن العربي في " أحكام القرآن " ٢/ ٧٣ - ٧٥، والفخر الرازي في "تفسيره " ٦/ ١٩٣ - ١٩٧، والعيني في " عمدة القاري " ١٩/ ١٦.

أقول: تقدم كلام أهل العلم في نقد هذه القصة وبيان بطلانها، وتقدم أيضاً أنَّ الأسانيد الموصولة كلها ضعيفةٌ، وأنَّ هذه الأسانيد من نسج أوهام بعض الرواة، ومقابل ذلك ظهرت لنا ثلاث أسانيد مرسلة إلا أنَّها غاية في القوة إلى مرسليها، وهي طريق سعيد بن جبير، وأبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث، وأبي العالية. فهذه الأسانيد الثلاثة انطلقت منها بعض أنسام القبول باعتبار صحة الإسناد إلى سعيد بن جبير، وأنَّ سعيداً من كبار التابعين، فإذا انضمت إليه الطرق المرسلة الأخرى صار للقصة أصل، وأظن أنَّ هذا المدخل الذي دُخِلَ به على الحافظ فقال: « .. كثرة الطرق يدل على أنَّ للقصة أصلاً». ولكن لو رويت هذه القصة بألف إسناد لما كان لذي لب تصحيحها، فقد عُلِمَ أنَّ شروط الحديث الصحيح خمسة: ثلاثة في السند واثنان مشتركان بين السند والمتن، فإذا استوت الأسانيد صحيحة، درسنا متنها لنعلم ما يجوز منها وما لا يجوز، وما هو مستحيل، ومن المستحيل جزماً أن يمدح رسول الله وهو المؤيد بالتأييدات الإلهية - آلهة قريش، وكيف يكون ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>