للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عصمه ربه من مجرد الالتفات لتلك الأصنام قبل بعثته ، أفيجوز وقوعه في مثل هكذا وهم بعد البعثة؟! وأهل العلم الذين ناقشوا هذه القصة أتموا جانباً، وأنقصوا آخر. فأفرغوا ما في وسعهم لإبطال عبارة: «تلك الغرانيق العلى .. »، ولكن لم يكن لهم نفس النقد لجانب آخر من هذه القصة فقد جاء في طرق كثيرة منها: أنَّ النبي تمنى أن لا ينزل عليه شيء في آلهة قريش، فمن أين عرف مرسلو هذه القصة بأمنية النبيِّ ؟ خصوصاً مع انعدام نقل الصحابة عن النبيِّ التصريح بما جاش في صدره، فهذا دليل آخر على بطلان هذه القصة.

فهذه الأمور مجتمعة مع تصريح الأئمة ببطلانها تجعلنا نحكم - مطمئنين - ببطلانها، ولا بد في خاتمة هذه المناقشة أنْ نبين الصواب في تفسير هذه الآي. فقد أخرج الطبري في " تفسيره " ١٦/ ٦٠٩ - ٦١٠ ط. عالم الكتب عن ابن عباس قوله: ﴿إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ يقول: إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه. ثم بين الطبري أنَّ هذا الطريق هو الصواب إذ قال في ١٦/ ٦١٠ - ٦١١ - عقب التفسير الأخير -: «وهذا القول أشبه بتأويل الكلام بدلالة قوله: ﴿فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيطانُ ثُمّ يُحكِمُ اللهُ آياتِهِ﴾ على ذلك؛ لأن الآيات التي أخبر الله جل ثناؤه أنَّه يحكمها، لا شك أنَّها آيات تنزيله، فمعلوم بذلك أنَّ الذي ألقى فيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالى ذكره أنَّه نسخ ذلك منه وأبطله، ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.

فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله وقرأ، أو حدّث وتكلم، ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه أو في حديثه الذي حدّث وتكلم، ﴿فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيطانُ﴾ يقول تعالى: فَيُذْهِبُ اللهُ ما يُلْقِي الشيطانُ من ذلك على لسان نبيه ويبطله».

وللشيخ محمد ناصر الدين الألباني رسالة قيمة سماها: " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق" فلتراجع.

ومما رُوي مرسلاً ومتنه يشهد ببطلانه، وقد أخطأ بعضهم فرواه موصولاً ما روى إسماعيل بن عيّاش، قال: حدثني الأوزاعيُّ وغيره، عن الزُّهريِّ، عن سعيد بن المسيّب، عن عُمرَ بن الخطاب، قال: وُلد

<<  <  ج: ص:  >  >>