للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن سعيد - وهو الثوري - وسُئِلَ عن قطع السّدر فقال: «قد سمعنا فيه بحديث لا ندري الذي جاء به عليه».

قلت: فهذا توهين من سفيان لأحاديث الباب كما هو ظاهر من قوله.

وقد تأول أهل العلم هذا الحديث بتأويلات مختلفة.

فقال أبو داود عقب (٥٢٣٩): «هذا الحديث مختصر، يعني: من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثاً وظلماً بغير حق يكون له فيها، صَوَّبَ الله رأسه في النار».

وقال العظيم آبادي في "عون المعبود " ١٤/ ١٥٢ - ١٥٣ عقب عزوه لزيادة: «من سدر الحرم» للطبراني: «وهي مبينة للمراد، دافعة للإشكال، كذا في " شرح الجامع الصغير " (١) (سئل أبو داود إلخ)، وما أجاب به أبو داود ووافقه عليه العلماء، ولا بد له من التأويل الصحيح، وقال في النهاية (٢): قيل: أراد به سدر مكة؛ لأنها حرم، وقيل: سدر المدينة، نهى عن قطعه ليكون أُنساً وظِلاً لمن يهاجر إليها، وقيل: أراد السدر الذي يكون في الفلاة يستظل به أبناء السبيل والحيوان، أو في ملك إنسان فيتحامل عليه ظالم فيقطعه بغير حق».

وقال الألباني في "الصحيحة " عقب (٦١٥): «وأولى من ذلك كله عندي أنَّ الحديث محمول على قطع سدر الحرم، كما أفادته زيادة الطبراني في حديث عبد الله بن حُبْشي، وبذلك يزول الإشكال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات».

مثال آخر: روى سفيان بن عيينة، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه: أنَّ رسولَ الله قالَ: «إنَّ الله لا يَسْتحي منَ الحقِ، لا تأتوا النِّساءَ في أدبارهنَّ» (٣).


(١) انظر: " فيض القدير " ٦/ ٢٦٧ (٨٩٦٢).
(٢) ٢/ ٣٥٣ - ٣٥٤.
(٣) لفظ رواية الحميديِّ، والحميدي تلميذ ابن عيينة يروي عنه مباشرة، لكن الفعل: «يستحيي» بيائين وجاء في رواية الحميدي بياء واحدة. قال القرطبي: «أصله يستحي عينه ولامه حرفا علة، أعلت اللام منه بأن استثقلت الضمة على الياء فسكنت. واسم الفاعل على هذا: مستحيٍ، والجمع مستحيون ومستحيين، وقرأ ابن محيصن: يستحِي بكسر الحاء وياء واحدة ساكنة؛ وروي عن ابن كثير، وهي لغة تميم وبكر بن وائل، نُقلت فيها حركة الياء الأولى إلى الحاء فسكنت، ثم استثقلت الضمة على الثانية فسكنت، فحذفت إحداهما للالتقاء، واسم الفاعل مُسْتَحٍ، والجمع مستحون ومستحين، قاله الجوهري»، تفسير القرطبي ١/ ٢٤٢، وانظر: " الصحاح " ٦/ ٢٣٢٤ (حيا)، " والميسر في القراءات الأربع عشرة ": ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>