للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن حبان: «وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أنَّ الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أنَّ الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره» (١). وتعقبه الحافظ ابن حجر في دعواه الاتفاق على ذلك فقال: «وأغرب ابن حبان فادعى الاتفاق على قبول غير الداعية من غير تفصيل. نعم الأكثر على قبول غير الداعية، إلا إنْ روى ما يقوي بدعته؛ فيرد على المذهب المختار» (٢).

القول الرابع: التفريق بحسب شدة البدع وخفتها في نفسها، وبحسب الغلو فيها أو عدمه بالنسبة إلى صاحبها (٣). ومن ذلك إذا رمي الراوي بالإرجاء أو القدر، فقد قبل الإمام أحمد حديثهما فقال: «احتملوا المرجئة في

الحديث» (٤)، وقال أبو داود: «قلت لأحمد: يكتب عن القدري؟ قال: إذا لم يكن داعياً» (٥)، وقال المروذي (٦): «وكان أبو عبد الله يحدث عن المرجئ إذا لم يكن داعية» (٧).

القول الخامس: عدم اعتبار البدعة جرحاً مسقطاً لحديث الراوي لما تقوم عليه من التأويل، وإنما العبرة بالحفظ والإتقان والصدق والسلامة من الفسق والكذب (٨).


(١) " الثقات " ٦/ ١٤٠ - ١٤١.
(٢) " نزهة النظر ": ٨٤.
(٣) انظر: " تحرير علوم الحديث " ١/ ٣٩٨.
(٤) " سؤالات أبي داود " (١٣٦).
(٥) " سؤالات أبي داود " (١٣٥).
(٦) نقل هذا النصَّ الحافظ ابنُ رجب في " شرح علل الترمذي " ١/ ٥٥ ط. عتر و ١/ ٣٥٨ ط. همام، ووقع في الطبعتين: «المروزي» بزاي، وهو تصحيف، صوابه ما أثبت أعلاه، وهو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المَرُّوذي - بفتح الميم وراء مضمومة مشددة وواو ساكنة بعدها ذال معجمة - نسبة إلى مرو الروذ، كان أجلَّ أصحاب الإمام أحمد، توفي سنة (٢٧٥ هـ)، وكثيراً ما تتحرف نسبته في المطبوعات إلى: «المَرْوزي» بالزاي، وهو خطأ، وإنما النسبة الأخيرة - أعني بالزاي - إلى مَرْو الشاهجان، وهي مرو العظمى. انظر: " الأنساب " ٤/ ٢٧٦ و ٢٧٨، و" معجم البلدان " ٤/ ٢٥٣، و" سير أعلام النبلاء " ١٣/ ١٧٣.
(٧) " العلل ومعرفة الرجال " رواية المروذي (٢١٣).
(٨) انظر: " تحرير علوم الحديث " ١/ ٤٠٣، على أن هذا القول يمكن أن يدخل في القول الثاني، وإنما جعلناهما اثنين لزيادة إيضاح، وتمام بيان، إذ إن بعضهم أطلق وغيرهم فصل، والأمر في مثل هذا واسع. وقد جرينا في هذا الكتاب بالتفصيل والتوسع في ذكر التنظير، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>